يواصل الصحافي جورج بيلينكن أنه رافق الشيخ حافظ وهبة وشعر كما قال بالخجل وهو يسير إلى جانبه بملابسه الأوروبية ماراً بصف طويل لا ينتهي من السعوديين الوسيمين والواقفين برباطة جأش وعيون مشعة، كان معظمهم من ذوي البشرة السمراء ممسكين ببنادقهم المرتكزة على أرضية يكسوها السجاد، وكان أغلبهم متمنطقاً بخناجر مغمدة، وفجأة واجهت في زاوية المجلس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي يحمل أوسمة بريطانية هي الوشاح الأكبر من الوسام العالي الشأن .G.C.B والوشاح الأكبر من وسام نجمة الهند. G.C.I.E .. هكذا يقول الصحافي والدبلوماسي البريطاني بلينكن لحظة دخوله ديوان الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بالرياض سنة 1947م ويسترسل بعد ذلك، مشيرا إلى المشربيات التي أضافت عتمة على المجلس إلا أنه ومع انخفاض درجة الضوء الضئيل استطاع تمييز هيئة الملك بهيبته وملامحه المميزة وبطول قامته الفارعة، حيث بدا كما قال عنه أطول من أي شخص حوله. وقف الملك عبدالعزيز مجاملة وحسن وفادة. امتدت يده القوية بكل رفق كما وصف اللحظة لقد نهض بكل رفق من مقعده المريح الذي كان أرفع من أي مقعد مجاور. وجلس ثانية ببطء ووقار طبيعي، وبدا بعد جلوسه أطول وارفع منهم جميعا. وكان الملك قد قال في العام الماضي لوفد سوري إنه يكره العجلة والسرعة. وواضح جداً كما يقول بلينكن بأنه يستمتع بالنهوض متمهلاً والجلوس متباطئاً. وبدا للزائر أن عيون الملك عبدالعزيز اللافتة للانتباه أكثر ملامحه وضوحاً ويوحي حاجباه بالجهد الكبير الذي يبذله ليتلقى بالإذن ما فات على العين. وكان أيضا متململاً في مقعده. ربما والقول للضيف أنه ربما كان يفضل أن يكون ممتطيا صهوة حصانه في الصحراء أو في رحلة صيد. ويمكن ملاحظة كبريائه حتى وهو مسترخ في مقعده فجسمه المسترخي القوي وأكتافه العريضة المتحركة في أثناء التفافاته المتكررة وعنقه المشدودة. كل ذلك يمنحه أفضلية وتميزا عمن حوله، وفي تلك اللحظة جلس جميع رجال الحاشية الملكية الكثيرين في صف طويل يستمعون بكل تبجيل وتوقير لحديث ملكهم، ويضيف الزائر قائلاً: لقد ذكرني ذلك بما رآه زوار كونفوشيوس (فيلسوف صيني وأحد دعاة القيم الرفيعة) حينما كان يلقي محاضراته على طلابه، وكان ولي العهد الأمير سعود البالغ اثنين وأربعين عاما هو الوحيد بين الضيوف الحاضرين الذي يعتمر عقالا مقصباً ومذهباً بأربع دوائر، كان جالساً مع مستشاريه وكان عقال الملك المكون من أربع دوائر أكثر ثخانة من عقال الأمير سعود. ويكمل الضيف حديثه عن لقائه التاريخي كما جاء في كتابه «يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض» أحد إصدارات دارة الملك عبدالعزيز في قوله: جلس رجال الحاشية الملكية صامتين لا تسمع لهم همساً ما عدا واحدا منهم كان يحرك أصابع قدميه كما يفعل شخص متوتر الأعصاب. لقد ذكرني شعار النخلة المتواتر والمتكرر على المقاعد بالطائرات المتساقطة بعد انفجارها إذ تهوي متدلية في السماء خلال الحرب الدموية البريطانية في سنة 1940م. نطق الملك بكلمات ترحيبية وكانت يداه القويتان واضحتين لأنه كان يحرك مروحة يدوية (مهفه) يطرد بها الذباب المؤذي ويخفف بها الحرارة الشديدة وكان يظهر عليه وقد بلغ من العمر ستة وستين عاما ونصف العام علامات القائد المنتصر الفاتح الذي حارب وصارع طوال حياته المثيرة. ويبدو أنه ما زال لديه أفكاره الخاصة. تذكرت والحديث لبيلنكن ملحوظاته الموجهة للسير جون سنجلتون في يوليو 1946م حينما زارت البعثة البريطانية الأميركية الفلسطينية هذا القصر حيث قال الملك عبدالعزيز للسير جون ان روزفلت قد أخبره أنه يريد أن تقوم أميركا بنشر المعرفة وتطوير الزراعة في السعودية إضافة إلى مساعدة المملكة في بناء جيش حديث. ورد الملك على كلام وعرض روزفلت قائلاً: إنه لا يريد المساعدة الأميركية وبفضل العمل بتمهل ورؤية. وأنه يكره العجلة. وهنا يختم بلينكون هذه اليومية بالقول: حينما كنت أشاهد حركة يدي الملك عبدالعزيز أدركت أنه رجل يمكن أن يتحدث بصراحة مع روزفلت أو مع أي شخص آخر. «يتبع».. لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس الأميركي روزفلت الملك عبدالعزيز ونجله ولي العهد الأمير سعود