أثناء زيارته للشرق الأوسط عام 1947م ضمن وفد دبلوماسي وصل الصحافي جورج بيلينكن الرياض قادما من الطائف، وحط في مطار الرياض الذي كان لا يزال عبارة عن أكواخ متناثرة من الصفيح، واستعرضنا تفاصيل وصفه المطار في حلقة ماضية ولطريق المطار الذي وصل منه إلى قصر الملك عبدالعزيز عندما قادهم ضابط سعودي عند وصولهم يلبس بدله عسكرية بريطانية حورت لتتلاءم مع المناخ المحلي، فاستبدل القبعة بغترة خضراء اللون وعقالا أسود قادهم إلى قصر كبير في وسطه فناء واسع مجصص أبيض، فيه رعية من الأغنام تأكل من أكياس أعلاف صغيرة، وهنا تبعوا أحد الخدم عبر بهم درجات سلم صخرية إلى غرفة جلوس واسعة، ثم إلى غرفة لها نافذة بمصراعين تطل على الفناء وأخرى تطل على المساحة الواقعة بين القصر والسور الطيني، حيث شاهد عدد من النخيل وتناهى إلى سمعه من بعيد صوت مضخات الري المسورة بجدار حجري، كان في الغرفة طاسة وإبريق ماء فضي جذاب ومناشف وصابون ذو عبق هندي، ولم يكن حضور المترجم أو الخدم مفيدا كما قال في شرح كيفية تحريك عوامة سيفون الحمام فشعر بالرثاء والخدم يحاولون تجريبها، ثم فتحوا محبس الماء عند ما انسكب من الصنبور بوصتان من الماء الملون ما يعني أنها لم تستخدم منذ فترة وغادر الخدم آخر الأمر عند عثوره على مرآة صغيرة واستطاع إدارة صنبور الماء لحلاقة ذقنه وقبل أن ينتهي وصلت السيارة التي ستقله إلى القصر الملكي. لقد حاول رجال كثيرون منهم الإنجليزي فيلبي الذي يسكن طائعا في منزل صغير متواضع في الرياض ويعرف بالحاج عبدالله معرفة ما يجذب الغربيين إلى زيارة المملكة العربية السعودية، وهنا يقول بلينكن ضمن كتابه يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض أحد إصدارات دارة الملك عبدالعزيز: اعترف بصفتي زائرا جديدا أن المسألة أكبر من قدرتي على تقديم إجابة شافية.. فمشهد الصحراء غير المحدودة يضع المرء في حالة تواضع ويمنحه القدرة -ولو لبعض الوقت- على التواصل مع هذه الفضاءات المغرية الخالية، إضافة إلى مشهد رجال لم يخطر على بالهم فكرة التنافس من أجل السرعة والنجاح، كل هذا يقابله سرعة الأوربيين الجنونية للانتقال من مكان إلى آخر، لإحراز مجد غير مضمون ويمكن للمرء أن يتعلم من الحركة البطيئة المنتشرة، وغياب الأبنية القبيحة البريطانية عن هذا الأفق الصحراوي، حتى قال: تختلف رحلتي هذه عن سابقاتها من رحلات قمت بها إلى قصر الملك النرويجي هاكون في شاحنة أثاث صودرت لأغراض عسكرية أو سفري لمقابلة الرئيس التشيكي المأسوي بينيه، الذي يتحدث لغات متعددة وقد استقال بسبب الغزو النازي أو زيارتي للمتحفظ الجنرال ديجول أو محادثتي مع المارشال جوزيف بروس تيتو ودردشتي مع ملك يوغسلافيا السابق بيتر المولع بالرياضة ونقاشي مع الرئيس النمساوي كارل الذي ينفرد بمعرفة واسعة ورحلاتي الأخرى لمقابلة رؤساء دول أخرى، ولكنني اليوم لا أملك أي فكرة عن المكان الذي سأتوجه إليه... شعرت أن موجة تحملني إلى هناك. سارت بهم بعد ذلك كما يقول سيارة التشريفات لمدة عشرين دقيقة على طريق رملي. مروا أثناء سيرهم ببغال وجمال منهكة، ثم وصلوا إلى قصر الملك الأبيض اللامع، الذي يحيط به جدار طيني مثله مثل بقية القصور الأخرى هنا، دخلوا غرفة انتظار فيها أثاث متواضع، بعدها رافق الشيخ حافظ وهبة وشعر كما قال بالخجل وهو يسير إلى جانبه بملابسه الأوروبية ماراً بصف طويل لا ينتهي من السعوديين الوسيمين والواقفين برباطة جأش وعيون مشعة، كان معظمهم من ذوي البشرة السمراء ممسكين ببنادقهم المرتكزة على أرضية يكسوها السجاد، وكان أغلبهم متمنطقاً بخناجر مغمدة.. (يتبع). قصر المربع