تناوب البريطانيون والسعودي والفلسطيني والهندي على دخول حمام بدائي في الطائف للاستحمام قبل الفجر في مقر ضيافة الصحافي البريطاني بيلينكن في الطائف استعدادا لرحلة الرياض والتهم الضيف فطورا هائلا كما يقول وانتظر بفارع الصبر سماع أخبار عبر الهاتف عن وصول طائرة الداكوتا لمطار الطائف من الأسطول الملكي السعودي وقد أخبره الشيخ حافظ وهبه أن الملك عبدالعزيز -رحمهم الله جميعا- ألا يسافروا لمدة خمس ساعات في الطائرة نفسها التي أحضرتهم أمس من جدة. بدت الطائف ذلك الصباح متناقضة مع ما رآه الضيف الأوروبي ليلة البارحة. شاهد صبيانا لا تتجاوز أعمارهم عشر أو إحدى عشرة سنة يصلحون بيتا كبيرا يقع قبالة مدخل قصر الضيافة الملكي بالطائف بينما كان العمال في حديقة القصر يعتنون بأحواض الزهور ويضيفون مشهدا جميلا مقارنة بمشهد الغبار المخيف والرمال المتطايرة حول هذه الواحة الغالية. ساعة وصولهم للمطار حلقت بهم الطائرة بعد فترة من الانتظار وتجنب قائدها التحليق فوق مكةالمكرمة وكان مستحيلا حسب وصفه رؤية أي شيء من النافذة بسبب الحر الشديد المنهك والغبار رغم عدم ارتفاعهم أكثر من ثمانية آلاف قدم وفيما بدا النوم عصيا بالنسبة للضيف كما يقول إلا انهم فجأة مرت خمس ساعات (مسافة الرحلة بين الطائفوالرياض) وكأنها ساعة واحدة حينما حطت الطائرة على مدرج يقع على بعد أميال قليلة من الرياض العاصمة الرومانسية التي يستعصي بلوغها كما قال. بدأ الضيف يتفقد أشياءه بسرعة كما هي الطقوس المعتادة لمغادرة الطائرة بما في ذلك جواز السفر والنقود والتقرير الطبي والدفتر الأزرق بطوابعه الملونة والمسمى "تأشيرة الدخول" وكان الضيف قد غادر لندن دون الحصول على تأشيرة إلى المملكة العربية السعودية، والتي قال عنها إنها كما يقال هي أصعب تأشيرة يمكن الحصول عليها من بين تأشيرات العالم إلا أنه حصل عليها آخر لحظة من المفوضية السعودية بالقاهرة. إلى هنا يقول بيلينكن: لم يعد هناك مفاجآت جديدة حينما تزور المدن الأوروبية فهي لسوء الحظ متشابهة. ولكن الحالة هنا في الرياض مختلفة. فثمة ترقب عميق حينما حطت الطائرة يوم الثالث عشر من أبريل على المدرج الساخن متجهة إلى أكواخ كبيرة تغلي من حرارة الشمس التي تقف كحارس قاس أبدي يحرس سطوح الصفيح لهذه الأكواخ. وهنا عالم جديد قديم لم أتخيله ولم أر مثله من قبل. إنه عالم مليء بنداء المجهول.. مطار مهجور وأبنية متواضعة تتناقض مع رشاقة موظفي التشريفات بثيابهم الفضفاضة. ومع الظهور المفاجئ لصف من السيارات الفخمة اللامعة ذات المقاعد السبعة ويقودها سائقون بملابس مزينة. كل هذا يبدو كتمثيلية على خشبة مسرح. ولكي أشعر بالراحة سرّحت النظر في أشجار النخيل المتمايلة مع النسيم العليل على مدى الأفق. تلك الرموز المألوفة للاسترخاء الوقور. ورأيت على مسافة بعيدة مشهدا متحركا لا بد أن منظره قد أبهج الإنسان منذ آلاف السنين. كان المشهد يتكون من قافلة جمال سمينة وأخرى هزيلة تسير ببطء. كل اثنين أو ثلاثة معا. مدركة أن الوقت ليس بذي أهمية. ويرافقها صبيان ممشوقون على حمير تتمايل ببطء.. مبيناً أن هذه المشاهد الحية جعلته ينفصل عن المستقبلين الرسميين الذين يرأسهم الشيخ موفق الآلوسي الذي رحب بهم باسم الملك عبدالعزيز بلغة فرنسية باريسية وعن بقية طقوس الاستقبال والضيافة الأولية. ويواصل بيلينكن حديثه عن الرحلة كما ذكر في كتابه يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض أحد إصدارات دارة الملك عبدالعزيز: كان الدرب واسعا ورائعا يسمونه شارعا، يمتد من المطار إلى مدينة الرياض، وكانت سيارتنا تسير أحيانا في صف واحد يتكون من أربع أو خمس سيارات. بين كل واحدة والأخرى مسافة تقارب عشرين متراً. ولم ألحظ أي قوانين للقيادة على الطريق. ولم يكن هناك شرطة مرور، أو سرعة محددة، ولم يخفف المارة الذين يعبرون الطريق من سرعتنا. في هذه الأثناء أخرج سائقنا اليمني ذو الشعر الأشقر البارز من تحت غترته وعقاله سيجارة وأشعلها. كنت مستغرباً من كسر التقاليد في هذا النظام الملكي الملتزم. ولكن السائق قال مبتسماً عن نفسه إنه رجل سيء وأنه حصل على كثير من السجائر من الطيارين الأميركيين. "يتبع" جانب من أحياء الرياض قيصرية ابن كليب أمام محراب الجامع الكبير