كتاب الطغرى، عجائب التاريخ في مدينة المريخ ليوسف رخا، الصادر عن دار الشروق عام 2011، الذي انتهيت من قراءته الآن، كان بالنسبة لي اكتشافا عظيما، أو إعادة اكتشاف ليوسف رخا، الذي نال شهرة لا بأس بها عند السعوديين بعد كتابه عن المتنبي. لكن الرواية، مساحة مختلفة وجنون مختلف. ستحملني على إعادة قراءة رواياته الأخرى، التماسيح وباولو، مسلحة هذه المرة بدليل كاشف، هو روايته الأولى. يقدم رخا الحقائق التاريخية مختلطة بالخيال والتهويمات كي يناقش ببراعة موضوع الهوية الإسلامية بالنسبة لمواطن مصري يعيش في القاهرة. منذ البداية، بداية كيفية اختيار اسم المدينة، القاهرة، وعلاقتها بالمريخ، هذه المعلومة الطريفة تجذبك لإكمال الرواية ولا يخذلك في تقديم معلومات من هذا النوع على طول الرواية. التاريخ معجون بالجغرافيا، جغرافيا القاهرة المعاصرة، التي يعيد اكتشافها، ويغير أسماء أحيائها التي يتردد عليها بطل الرواية بشكل يحمل خفة ظل تستند على يومياته والكيفية التي يفكر بها، كل ما يحدث وكيفية روايته يصب في النهاية في الإشكالية التي تهيمن عليه، إشكالية الهوية، هوية القاهرة التي في محاولته لإثباتها أو البحث عنها إنما هو يؤكد هويته ويبحث عنها. يستعين في ذلك باستخدام رسوماته الخاصة، يبدأ برسم خريطة للأماكن التي أعاد تسميتها، ويأخذنا معه للتعرف على الطغرى، الختم السلطاني الشهير، ومع كل خط يرسمه، يحاول أن يؤكّد للقارئ المعنى الذي يريد أن يصل إليه، لا يقدم لك عقيدته وإيمانه بشكل فج، لكن يريدك أن تسير معه خطوة بخطوة، كي تعرف كيف توصل إلى هويته، وكيف أن خطوط هويته تتماسّ بشكل غريب ومفاجئ حتى بالنسبة له، مع رسم الختم العثماني. ككل الكتب العظيمة، لا يقدم كتاب الطغرى حلولا وإجابات جاهزة ومجانية، لكنه يثير أسئلة ويقلب مفاهيم كنت تعتقد أنها راسخة وبديهية. هذا هو السبب الأول الذي دعاني كي أكتب عنه، السبب الآخر هو الكيفية المذهلة التي يفعل بها ذلك. الكتاب ليس سهلا، لكنه ليس معقدا وبالنسبة لي كان في غاية الإمتاع، وربما لمعرفتي الجيدة بالعامية المصرية التي استخدمها رخا بسلاسة مختلطة بالفصحى كان سهلا علي المضي في القراءة، وأنا بشكل عام أحب جدا خلط العامية بالفصحى في كتابة الروايات. وهو على كل حال يضع في نهاية الكتاب تفسيرا للكلمات العامية التي استخدمها أيضا بخفة ظل شديدة. قبل كتابة المقال بحثت عن مراجعات كتبت عن الطغرى ولم أجد، وكنت كتبت مقالا عن أن النقاد لا يقرؤون، يبدو أن العبارة صحيحة ليس فقط عندنا، وإنما في عموم العالم العربي.