يتبادر إلى الأذهان السؤال المركزي والمستديم في العلاقة بين الصحافة والثقافة وعندما نتحدث عن الثقافة فإننا نعني الثقافة بشموليتها الثقافة التي تعد قيم مجتمعية ويتشارك فيها الجميع وليس الثقافة العليا أو الثقافة الأدبية التي تخص النخبة والمتخصصين في الأدب وقبل أن ألج في هذا الموضوع أود أن أشيد بجهود "صحيفة الرياض" في هذا الاتجاه فقد أفردت للثقافة صفحات أسبوعية تنوع فيها في الطرح ولهمت كُتابها وبتشجيع مستمر حول تناول الجوانب الثقافية تبعا للحراك الثقافي المتداول في الساحة، وقد تكون شهادتي مجروحة في صحيفة الرياض كوني انتسب إليها ولكن هذا هو الواقع، فنحن لا نعيب أو ننتقص بعض الجهود التي نسحبها امتدادا للوطن وللثقافة والمعرفة، ما نعنيه هو مواكبة للتغير الثقافي في الساحة كما تهدف إليه توجهات القيادة وفقها الله، وكذا رؤية المملكة وتطلعاتها نحو العالمية حيث برز العديد من الهيئات الجديدة ضمن منظومة وزارة الثقافة، كما ولا يفوتني أن أقف مشيدا بدور مدير تحريرها النشط الأستاذ عبدالله الحسني الذي تجده متواجدا في الميدان في كل المنتديات الثقافية وأمسيات الشريك الأدبي برغم كثرة انشغاله، وهو يوقظ طريقة التقاط الفكرة الثقافية مع من يتعاون معه كمتطوعين نحو جهود وطنية ثقافية يجب أن تستمر وتصل كرسالة واعية وراشدة ومهمومة بهذا الوطن، وكيف تكون طريقة توظيف ذلك الجانب الثقافي وبشكل فاعل وتحويله لنصوص مكتوبة مع الاشتغال على إبهار الصورة الملتقطة بزوايا مختلفة قصيرة وطويلة لتساهم في حالة استقطاب جماهير القراء نظرا لتغير عاداتهم ومحاولة جادة في تجديد المحتوى مع ما يتناسب مع تفاوت الأعمار والرغبات وكذا المستويات المعرفية المتباينة والابتعاد عن القولبة والتشابه في الطرح والنشر للوصول إليهم بأدوات مختلفة. إن العلاقة بين الصحافة والثقافة يجب أن تكون وطيدة ووثيقة ومستمرة وكما نعرف أن الكثير من الإصدارات في الوطن العربي أغلقت تماما برغم أنها بدأت من وقت مبكر والسبب من وجهة نظري أنها اقتصرت على الثقافة الأبية فقط ولم تتناول الأبعاد الثقافية الأخرى ومع تراجع القراء واختلاف ثقافتهم بدأت في التراجع حتى كان الإغلاق النهائي، فعندما يغيب منا أو حتى ينفلت المعلم الثقافي يضيع زمن الإبداع برمته ونفوّت لحظات قد ترقى بذائقة الجمهور وكذا تطلعاته التي تحقق المعنى الثقافي المستحق للثقافة نفسها وللوطن، وخلاف ذلك تكون النتيجة هدر لعلاقات بصرية وجمالية ثقافية يجب أن تدرج في دائرة الضوء من خلال صحافتنا الثقافية فعندما نحول كل معلم ثقافي سواء كان ماديا أو معنويا إلى نصوص مكتوبة فإننا نساهم بوتيرة منتظمة في بناء الوعي والإثراء المعرفي، ولنواكب المرحلة وتطلعات رؤية الوطن، وهنا أود أن أشير إلى نقطة مهمة جدا وهو شعار رئاسة السعودية لمجموعة العشرين في عام 2020 حين استضافة الرياض القمة العالمية للكبار الذي عكس الهوية والثقافة والتراث، حين ألهمنا العالم بذلك المعلم الثقافي (السدو) الذي أُستغل من قبل شركات صينية كبيرة ليكون الشعار متداولا في أغلب المنتجات التي سوقتها في العالم وخصوصا المنطقة العربية وكان واضحا بأشكال مختلفة في الأثاث والأواني وغيرها من المنتجات التجارية التي لا تزال تروج إلى اليوم بهذا الشعار الذي مثل نسيج خيام البادية والحياكة في مفروشاتهم. إن الصحافة الثقافية هي التي نتعلم منها كل ما يحيط بنا من فنون وآداب وأثار وغيرها وهي التي قادرة على أن نُبصر الواقع، وهي التي قادرة على التحليل وعلى فهم العلاقات بين النواحي المختلفة، والصحافة الثقافية هي التي توصلنا بالماضي وتجسر العلاقات بيننا وبين الثقافات المختلفة، وتعزز هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا بين الأمم، وهي التي تلامس بعد المكان الثقافي والتاريخي ومن خلالها نستطيع أن نرصد كل التحديات التي تواجهنا للوصول إلى المستقبل، المستقبل الذي ترف على جوانبه نواحي اقتصادية متعددة على امتداد الوطن الذي يزخر بالكثير من المعالم الأثرية والتاريخية والثقافية، فقط توظف بشكل أو بآخر فتكون مشرقة في جبين الوطن، نتقدم بجديد زاه وبراق ينبلج من أحشاء القديم ولنتقدّم به بكل فخر وشموخ نحو المستقبل وبخطى واثقة ومتوثبة وبماضي عريق نلهم به هذا العالم.