التغير سنة كونية في الوجود، ولهذا نجد أن هناك تعريفات ومفاهيم شتى أصبحت تأخذ منحى آخر عما كانت عليه في السابق، أقصد قبل سنوات، أو حتى قبل قرون. نأخذ على سبيل المثال كلمة "أديب - أدباء" التي احتج عليه بعض المتابعين في كوني لا أفضل هذه التسمية عند الحديث عن أصحاب القلم من كتاب القصة والرواية والشعر وخلافها، وأجد نفسي أميل كثيراً لتسميتهم ب"المبدعين"، وتسمية هذه الفنون "إبداعات" وليس أدباً وأدباء، وأجد نفسي أقدم ذلك عن قناعة تامة، ودعوني أناقش ذلك معكم. لو رجعنا لجذر كلمة أديب، نجدها في معجم الصحاح ضمن (أ - د - ب) وهي فاعل من تأدب، "ولد متأدب" أي: متخلق، مهذب في سلوكه ومعاملاته، ومؤدب الأطفال يعني: معلمهم، وورد عن ابن المقفع قوله: "معلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال". ولو عدنا للتأديب كمهنة، فقد ظهرت في العصر الأموي، حيث استحدث الخلفاء الأمويون نظام التأديب، ويظهر عندهم مصطلح "المؤدب" وهو الذي يدرس أبناء الخاصة من الخلفاء والأمراء والأعيان. يعني أن "المؤدب" كانت مهنة "المعلم" اليوم، وهو: من يمتلك ثقافة ومعرفة بأشعار العرب، وتاريخهم وعاداتهم وطباعهم وأخلاقهم، وخلاف ذلك، لهذا عرّف ابن عبده ربه - صاحب العقد الفريد - مهنة الأدب بأنها: "الأخذ من كل علم بطرف"، وهو ما يتوافق مع مفهوم الثقافة اليوم. لهذا كله نجد أن هناك اختلافاً في المفاهيم عما كان عليه العرب في تلك الفترة، اليوم الكتابة تأخذ أشكالاً عدة، منها الكتابة الإعلامية والكتابة البحثية، وكتابة الخطابات الرسمية وغيرها، وكل ما سبق من أشكال الكتابة تعتبر كتابات -مباشرة- كما أشرنا إليها في مقالنا السابق، أما الكتابات التي يطلق عليها أدبية، فهي التي تشمل "اشتراك العقل والقلب واليد معاً" في تنفيذها العمل كما عرف ذلك الفنان العالمي الشهير "فان جوخ" في تعريفه للفن، ولهذا أطلق عليها في وقتنا الحاضر مسمى: أعمالاً إبداعية، لأن فيها خلقاً وتوظيفاً جديداً، ولأنها مبطنة وقابلة للتأويل، كونها تتضمن لغة بلاغية راقية. لهذا وباختصار: يجدر بنا اليوم أن نتفهم هذا التغيير في التسميات التي صاحبها أيضاً تغيير في الأنساق والصيغ، وأساليب الكتابة بمجملها، ولم نعد نكتب كما كان يكتب أجدادنا في تلك الأزمة، فالتغير واضح وجلي، لهذا علينا أن نغير التسمية ونسمي "الأعمال الأدبية" "إبداعيات" وأن نسمى "الأدباء" مبدعين، كما أحب أن أسميها، وهي وجهة نظر قابلة للنقاش على كل حال.