تجتاح موجات حر مهلكة المدن في أربع قارات بالفعل مع حلول فصل الصيف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، مما يشير إلى أن تغير المناخ قد يؤدي مرة أخرى إلى ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية يمكن أن تتجاوز تلك التي تم تسجيلها الصيف الماضي وجعلته الأكثر حرارة منذ 2000 عام. ويُشتبه في أن درجات الحرارة القياسية التي سُجلت بالفعل في الأيام القليلة الماضية تسببت في وفاة المئات إن لم يكن الآلاف في جميع أنحاء آسيا وأوروبا. وعانت دول في محيط البحر المتوسط من أسبوع آخر من درجات الحرارة المرتفعة التي ساهمت في نشوب حرائق غابات من البرتغال إلى اليونان وعلى طول الساحل الشمالي لأفريقيا في الجزائر، بحسب الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية. وفي صربيا، توقع خبراء الأرصاد الجوية أن تصل درجات الحرارة إلى حوالي 40 درجة مئوية خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث دفعت الرياح القادمة من شمال أفريقيا بجبهة ساخنة عبر منطقة البلقان. وأعلنت سلطات الصحة حالة تأهب للطقس من مستوى اللون الأحمر ونصحت المواطنين بعدم المغامرة بالخروج إلى الأماكن المفتوحة. وقالت خدمة الطوارئ في بلجراد إن أطباء تابعين لها تدخلوا 109 مرات خلال الليل لعلاج أشخاص ممن يعانون من أمراض القلب وأمراض مزمنة. وفي الجبل الأسود المجاورة، حيث نبهت سلطات الصحة السكان أيضا إلى ضرورة البقاء في الظل حتى وقت متأخر من فترة الظهيرة، سعى عشرات الآلاف من السائحين إلى قضاء أوقات على الشواطئ. وتواجه أوروبا هذا العام موجة من حالات اختفاء ووفاة سائحين وسط درجات حرارة خطيرة. وقالت الشرطة اليونانية يوم إنها عثرت على أميركي عمره 55 عاماً وقد توفي في جزيرة ماثراكي، في ثالث حالة وفاة من نوعها خلال أسبوع. وتعاني مناطق في شمال شرق الولاياتالمتحدة والغرب الأوسط أيضا مما يعرف باسم القبة الحرارية، حيث صدرت تحذيرات لأكثر من 86 مليون شخص بسبب الحرارة، وفقاً لخدمة الطقس الوطنية الأمريكية. وتحدث القبة الحرارية عندما يحبس نظام قوي عالي الضغط الهواء الساخن فوق منطقة ما، مما يمنع الهواء البارد من الدخول ويتسبب في بقاء درجات حرارة الأرض مرتفعة. وبموجب خطة طوارئ لمواجهة الحرارة، قالت مدينة نيويورك إنها ستفتح مراكز التبريد بها لأول مرة هذا العام. وأصدرت هيئات الأرصاد أيضاً تحذيراً من الحرارة المفرطة في مناطق من ولاية أريزونا، بينها فينيكس، حيث من المتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى 45.5 درجة مئوية. أعداد الوفيات تستمر فترة الصيف في الهند من مارس آذار إلى مايو أيار، عندما تبدأ الأمطار الموسمية في اجتياح البلاد ببطء وتخفيف حرارة الجو. لكن نيودلهي سجلت الأربعاء أشد ليلة حرارة منذ 55 عاماً على الأقل، حيث سجل مرصد سافدارجونج الهندي عن درجة حرارة بلغت 35.2 درجة مئوية الساعة الواحدة صباحاً. وعادة ما تنخفض درجات الحرارة خلال ساعات الليل، لكن العلماء يقولون إن تغير المناخ يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة خلال الليل. وفي أجزاء كثيرة من مناطق العالم، ترتفع درجات الحرارة ليلا بشكل أسرع من النهار، بحسب دراسة أجرتها جامعة إكستر عام 2020. ووفقاً لبيانات إدارة الأرصاد الجوية، سجلت نيودلهي خلال 38 يوما متتالياً درجات حرارة قصوى بلغت 40 درجة مئوية أو أكثر منذ 14 مايو. وقال مسؤول بوزارة الصحة الهندية إن هناك أكثر من 40 ألف حالة يشتبه في إصابتها بضربة شمس وما لا يقل عن 110 حالات وفاة مؤكدة في الفترة من الأول من مارس آذار إلى 18 يونيو ، عندما سجل شمال غرب وشرق الهند مثلي العدد المعتاد لأيام موجة الحر في واحدة من أطول موجات الحر في البلاد. ومع ذلك، فإن رصد أعداد الوفيات الناجمة عن موجات الحر بدقة أمر صعب. فمعظم السلطات الصحية لا تُرجع الوفيات إلى الحرارة بل إلى الأمراض التي تتفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة مثل مشاكل القلب والأوعية الدموية. وبالتالي، فإن السلطات تحتسب عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة بفارق كبير وتتجاهل عادة آلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الوفيات الناجمة عن موجات الطقس الحار. ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة ذكرت خدمة مراقبة تغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي أن موجات الحر التي تحدث حاليا تأتي على خلفية 12 شهرا متتاليا شهدت أعلى درجات حرارة على الإطلاق مقارنة بالسنوات السابقة. وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك احتمالا بنسبة 86 بالمئة أن تسجل إحدى السنوات الخمس القادمة أعلى درجات حرارة على الإطلاق، متجاوزة عام 2023. وبينما ارتفعت درجات الحرارة العالمية بشكل عام نحو 1.3 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن تغير المناخ يغذي درجات الحرارة القصوى الأشد ارتفاعا، مما يجعل موجات الحر أكثر شيوعا وكثافة وأطول أمدا. ووفقا لفريق دولي من العلماء لدى مجموعة "ورلد ويزر أتريبيوشن" فإن موجة الحر التي كانت تحدث مرة واحدة كل عشر سنوات قبل الثورة الصناعية ستحدث الآن 2.8 مرة كل عشر سنوات، وستكون أشد حرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية. ويقول علماء إن موجات الحر ستستمر في التزايد في حال استمر العالم في إطلاق العنان للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري. ووفقا لمجموعة ورلد ويزر أتريبيوشن، فإنه إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين فوق مستواها الحالي، ستحدث موجات الحر 5.6 مرة كل عشر سنوات في المتوسط، وستكون أشد حرارة بمقدار 2.6 درجة مئوية. العالم ليس مستعداً لمواجهة الحرائق وفيما تلتهم النيران مناطق مختلفة في أميركا الشمالية وأوروبا مع انطلاق فصل الصيف الحالي، فإنّ العالم ليس مستعداً لمواجهة هذه الحرائق التي أصبحت أكثر شراسة بسبب تغير المناخ، وفق تحذيرات خبراء. وتنتشر صور المساحات المحترقة هذا العام في أعقاب موجات قيظ تسجلها كنداوالولاياتالمتحدة واليونان وتركيا. وفيما جرى تخصيص موارد جديدة أخيراً لمكافحة الحرائق، فالأمر ليس كذلك بالنسبة لتقنيات استباق مثل هذه الكوارث، بحسب الخبراء. وقال مدير مركز أبحاث الحرائق بجامعة ويلز في سوانسي ستيفان دوير "لا نزال نحاول تعويض تأخرنا". وقد يكون التوقع بحدوث حريق أو مدى شدّته أمراً صعباً بسبب عوامل مؤثرة متعددة، بدءاً من الطقس. لكن الحرائق أصبحت أكبر وأكثر كثافة كقاعدة عامة، حسب تقديرات الباحث الذي شارك في إعداد دراسة حديثة حول هذا الموضوع. وتضاعف عدد حرائق الغابات الشديدة وحدّتها، وهي الأكثر تدميراً وتلوثاً، في العالم خلال السنوات العشرين الماضية، بسبب الاحترار المناخي الناجم عن النشاط البشري، وفق دراسة أخرى نُشرت أخيراً في مجلة "نيتشر إيكولوجي أند إيفوليوشن". ويقول ستيفان دوير "من الواضح أننا لسنا مستعدين بما يكفي للتعامل مع هذا الوضع". ويُعدّ تغير المناخ أحد الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة، رغم أن عوامل أخرى تلعب دوراً أيضاً، مثل استخدام الأراضي وموقع المنازل. وبما أن الحرائق لا تعرف حدوداً، فقد بدأت الحكومات في معالجتها بشكل مشترك، كما يؤكد الخبير في مركز البحوث المشتركة للاتحاد الأوروبي خيسوس سان ميغيل.وقد طوّر الاتحاد الأوروبي بقوة تقاسم الموارد. وحتى دول البحر الأبيض المتوسط خارج الاتحاد الأوروبي استفادت بالفعل من معدات مكافحة الحرائق أو المساعدات المالية، وفق الخبير. لكن هذا لم يعد كافيا في مواجهة الحرائق الأكثر شدة. يقول خيسوس سان ميغيل "تلقينا تعليقات من زملائنا في الحماية المدنية قالوا لنا فيها إنهم لم يعودوا قادرين على مكافحة الحرائق، فالماء يتبخر حتى قبل أن يصل إلى الأرض". ويضيف "نحن بحاجة إلى العمل بشكل أكبر على الوقاية". يقول روري هادن من جامعة إدنبرة إن الحرق المحكوم، واستخدام المواشي أو الوسائل الميكانيكية لإزالة الأشجار، طرق فعالة للحد من المسببات التي يمكن أن تؤجج الحرائق. هناك حلول أخرى لتجنب النيران الأولى والحد من انتشارها، بما يشمل حظر نيران التخييم واستخدام الطرق كمصدات للحرائق، بحسب هذا الخبير. ويمكن لجهود كثيرة على الصعد المالية والتخطيطية أن تفضي إلى نتائج غير مرئية. ويقول روري هادن "مهما كانت الطريقة أو التقنية التي تستخدمها... فإن نتيجة هذا الاستثمار هي عدم حدوث أي شيء، وهو أمر غريب للغاية من الناحية النفسية. النجاح يتمثل في عدم حدوث أي شيء". ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة النيران تلتهم مناطق في كنداوالولاياتالمتحدة واليونان وتركيا