نجح الغرب في تسويق وبيع فكرة أنه ديمقراطي ويحمي حقوق الإنسان والحرية والمساواة والعدالة ودولة القانون. غير أن الدارس للتيارات الفكرية الغربية، والمفاهيم السائدة والمدارس الفكرية المؤثرة بالعلوم الاجتماعية والتاريخ في الغرب يكتشف واقعاً مغايراً لما تظهره هذه المدارس. وللتوضيح نضرب مثلاً بالتيار الوجودي، وقد سمّيت الوجوديّة بأسماء كثيرة أبرزها: فلسفة العدم، الفلسفة الانحلاليّة، وفلسفة التفرّد، والعبثية؛ الفلسفة الوجودية التي تقوم على إعلاء قيمة الإنسان كوجود فردي ذاتي وأنه صاحب إرادة حرة وقدرة على اختيار وجوده قبل أن يوجد أصلاً. وهذا التيار الوجودي ترجع أصوله الأولى إلى الفيلسوف سقراط الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض أو على مبدأ اعرف ذاتك أولاً. ومؤسس هذا التيار الفيلسوف الدنماركي سورين كيركغور؛ كما يعتبر الفرنسي جون بول سارتر من أشهر الفلاسفة الوجوديين، الذي عبّر عن فلسفته من خلال مسرحياته، (الذباب)، ومسرحية (اللا مخرج)، ومسرحية (المنتصرون). ونجد أنه من خلال العلوم الاجتماعية والآداب وعلم النفس تتسرّب هذه الأفكار إلى مجتمعاتنا وعلومنا، حتى أن بعضاً من الإسلاميين تأثروا دون وعي بهذا التيار وتناقضاته. الجذور الأساسية للثقافة الغربية هي من النتاج الثقافي لحضارات الإغريق والرومان وعصر النهضة، وتظهر هذه الجذور في الأعمال الفنية، والفلسفية، والأدبية، وفي مجموعة القوانين والتقاليد الشعبية؛ التي تحمل في طياتها فكر التفوق والتميز للرجل الأبيض. الوجوديون والرواقيون أكثر تشابهاً ممَّا يعتقد البعض. ومن هنا يظهر مدى العلاقة بين الأفكار والمفاهيم الإغريقية والرومانية التي كانت سائدة أنحاء الإمبراطورية الرومانية حتى إغلاق كل مدارس الفلسفة الملحدة في عام 529 الميلادية بأوامر من الإمبراطور جستينيان الأول الذي اعتبرهم مخالفين للشريعة المسيحية. وبتأثر من جوستن لبسيوس، تطوّرت الرواقية المحدثة بدمج الأفكار بين المسيحية والرواقية التقليدية. الفيلسوف الشهير إيمانويل كانط رتب أعراق البشر ترتيباً عنصرياً وجعل العرق الأبيض على رأس القائمة حيث يرى كانط أن الإنسان الأبيض يملك كل المواهب الفطرية والفلسفة. ثم في الدرجة الثانية الهنود ثم الأفارقة ثم الهنود الحمر؛ لذلك أخلاقياً ليس هناك عيب في إبادتهم. وقد تحولت هذه العنصرية من موقف ذهني إلى سلوك اجتماعي بررت به الإنسانية الحروب، لأن الحياة كما هو الحال في الطبيعة لا تجد مانعاً أخلاقياً في قتل الحيوان للحيوان الأضعف من أجل البقاء. فهذه العنصرية الكامنة في الذهنية الغربية هي التي بررت قتل الهنود الحمر وأبادت مئة مليون نسمة. بخلاف الفكر الذي يقوم على الدين واحترام الإنسان لأخيه الإنسان. ويرى الفيلسوف ديفيد هيوم أن الأفارقة أقل البشر تحضّراً. والفيلسوف نيتشه يذهب إلى أن التخلص من الضعفاء لا غضاضة فيه، وكذلك مارتن هايدغر الفيلسوف الألماني الذي يقول «إن الفلسفة ليست مستودعاً من المعارف النظرية، بل مسرى من التطلب الوجودي يستنهض الكائن الإنساني في أعماق وعيه حتى يستجيب لنداء الحقيقة، أي لاستدعاء الكينونة. ليست الفلسفة علماً كسائر العلوم، ولا رؤية متسقة للعالم مبنية على أساس الحكم القطعي، ولا أساساً نظرياً للمعارف العقلية، ولا معرفة مطلقة، ولا حتى اختباراً من اختبارات القلق الوجودي الذي يعتصر فؤاد الإنسان المعاصر (هايدغر، الكينونة والحقيقة، الذي أخذت منه النارية هذه الأفكار العنصرية التي تقوم على الإيمان بالتفوق. الفيلسوف آرثر شوبنهاور ألماني المعروف بفلسفته التشاؤمية كان يعتبر أن الأسبقية الحضارية كانت للعرق الأبيض وأن جميع الحضارات كانت بين أصحاب البشرة البيضاء وحتى مع الشعوب ذات البشرة الغامقة فإن الطبقة الحاكمة كانت بشرتها افتح من بقية الشعب وأن الجنس الأبيض في القمة وباقي الأجناس في الأدنى. وقد سادت العنصرية العلمية خلال الفترة ما بين 1880 و1914 حيث كانت تستخدم في تبرير الإمبريالية الأوروبية البيضاء واضطهاد بعض أجناس البشر واستخدامهم كعبيد، وبلغت العنصرية العلمية ذروتها في الفترة من 1920 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ثم أخذت في التجمّل ومحاولة إخفاء عنصريتها القبيحة من خلال المعايير المزدوجة والمفاهيم المختلطة. ورغم ذلك تظهر في أفعالهم وأقوالهم وأخبارهم وإعلامهم. إن منظومة الأخلاق والقيم والمعايير الإنسانية والعدالة الغربية تحتاج إلى تطوير وتحسين وتنقيح من هذه العيوب والتناقض وازدواجية المعايير، وأن يكون لنا منظومتنا الفكرية التي تحتاج إلى جهود جماعية يساهم فيها مفكرو وفلاسفة العالم الإسلامي وعلماؤه في كل فروع المعرفة.