قبل سنوات طويلة في بداية حياتي المهنية كان عندي مدير، ولم تكن علاقتي معه في أحسن حالاتها. كان يتعمد دائماً تهميش أي نجاحات أو إنجازات لي والفريق الذي أديره أو التقليل منها وتشويهها في نظر الإدارة العليا. وفي حال لم يتمكن من ذلك كان يسطو عليها دون حياء أو خجل وكأنه صنع كل شيء بمفرده. وفوق ذلك كان يفرح أشد الفرح إذا اشتمّ رائحة فشل أو سمع باحتمالية خطأ يمكن أن يقع فيترك كل ما في يديه ويعمل على التصعيد للإدارة العليا ورفع الشكاوى والمطالبة بإقالتي أو اتخاذ إجراءات بحقي بدون تثبت أو تأكد من تلك التقارير والوشايات. ما ذكّرني بهذا المدير هو مقالة قرأتها مؤخراً للكاتب روبرت ستيوارت بعنوان "على القادة أن يحتفوا أكثر من أن ينتقدوا!" حيث يناقش الحاجة إلى القيادة الفعالة التي تتوازن بين تقديم التغذية الراجعة البناءة والاعتراف بالجهود الإيجابية ويؤكد أنه من المهم بشكل خاص أن يقدم القادة المزيد من التهنئة والإطراء أكثر من النقد. وبالعودة إلى قصة مديري الذي عاصرته قبل سنوات طويلة، فلعل أحد أهم التحديات التي واجهتها في التعامل معه هي تركيزه على السلبيات فقط وتجاهله التام للإيجابيات. وبناء عليه فقد كان الحوار مقتصراً فقط على اللوم ولغة التهديد مما أضاع المصداقية والموضوعية في حديثه. ولست بطبيعة الحال أزعم أنني كنت منزهاً عن الأخطاء أو أعاني جوانب يمكن تطويرها وتحسينها ولكنها النفس البشرية وخاصة لموظف شاب عندما لا يجد أي تقدير رغم اجتهاده بل بعكس ذلك مصيره التهديد بالتدمير. بطبيعة الحال لن استطيع الرجوع بالزمن لذلك الوقت، ولكن تعلمت من تلك التجربة في التعامل مع فريق عملي من حيث التوازن بين الاحتفاظ والإشادة بالأداء في مقابل النقد البناء. وما تعلمته هو أن الناس ستستمع وتنصت لك إذا تحدثت بموضوعية ووضوح بصدق وبنية تطوير قدراتهم وصقل مهاراتهم في جوانب القصور مع التأكيد على جوانب القوة وتعزيزها. والنتيجة دوماً هي تحسن الأداء على المستوى الفردي ومستوى المنظومة. ومن الممارسات الرائعة هي أن تترك المجال للطرف الآخر لمشاركة مرئياته ومقترحاته تجاه عملك كمدير في إطار من الاحترام والتقدير. ومن شأن هذه الحوارات الراقية أن تسهم في جعل بيئة العمل صحية ومحفزة وداعمة للإنجاز. باختصار، من الصعب التعايش مع مدير كالذبابة لا يقع إلا على القاذورات ويبحث عن الأخطاء والزلات ولا يرى سواها. وبالمقابل فمن الجميل أن يكون لديك مدير كالنحلة تراه يسعد بإنجازاتك ويحتفي بها كالأزهار ويصنع منها العسل والرحيق. ومع ذلك فاتق شر الحليم إذا غضب واحذر من المدير النحلة إذا وقعت منك زلة لا تغتفر أو تكررت هفواتك لأن لسعة واحدة قد تكون مؤلمة جداً ومميتة. وأختم بكلمات كينيث بلانتشارد:"انتبه إلى الناس وهم يفعلون الأشياء الصحيحة".