تلعب المقاهي الثقافية دورا محوريا ومهما في تحريك المشهد الثقافي وفي مجال عموم الثقافات والآداب والفنون، ومن هنا يتضح لنا بجلاء تنوع تجارب المجتمعات في هذا الجانب. اليوم المملكة تعيش تجربة فريدة، ولهذه التجربة طابعا خاص وشكل مستقل عن غيره، إلا أنه ودون أدنى شك، متسق مع المرحلة، وطبيعة الحياة الاجتماعية، والشكل الثقافي السائد للجوانب الأدبية والثقافية والفنية بمختلف أنواعها. ومن التجارب للمجتمعات يبدو أن لدولة فرنسا حضورا مبكرا في هذا الميدان ومن ثم انتقلت الفكرة إلى مناطق أخرى بحكم تأثيرها القوي سواء من الناحية الاقتصادية أو طبيعتها الاستعمارية التي تمحورت حول الاستعمار الثقافي، وتأثيرها الواضح في مناطق متفرقة من هذا العالم، ويمكن الانتقال لجمهورية مصر العربية التي نلمس دورها المباشر الذي أثرت به المقاهي الثقافية أو لنقل المقاهي بشكل عام. فقد كان لمصر الريادة العربية في هذا الجانب، فالمثقف المصري يتعامل مع المقهى كونه ملتقى اجتماعيا أدبيا تواصليا، يتواصل به مع الحراك الاجتماعي بكافة أشكاله وصوره، أما التجربة السعودية - وإن كانت قد طبقت الفكرة - لكنها طبقتها بشكل لم يسبق له مثيل على حد علمي، فلم يكن التطبيق فردياً، وإنما كان مؤسسياً بُني على رؤية واضحة، وتصور جليّ، وبرامج مُعدة بشكل فارق وجميل من قبل الوزارة المنوط بها هذا الجانب؛ ألا وهي "وزارة الثقافة"؛ لذلك فإن التجربة السعودية تعتبر تجربة فريدة من نوعها، وحتى لا نسهب كثيراً سأحول تقديم فكرة عامة عبر تجربتي الثقافية مع المقاهي الثقافية؛ بدأ اهتمامي بالثقافة من خلال اهتمامي بالكتاب بالقراءة، وقد كانت إحدى أقدم المكتبات بالرياض وجهتي اليومية للقراءة والاطلاع والبحث، وجاءت فرصتي الأكبر عندما جسدت فكرة الشريك الأدبي، وفي إحدى الأمسيات التقيت بالمشرف على المقهى الذي قدمت فيه أمسية ثقافية ودار بيننا حديث وترتب عليه دعوتي من قبل هذا المشرف المثقف لأكون ضيفا في أمسية قادمة بعنوان "الأدب السعودي المعاصر"، وكانت هذه الأمسية انطلاقتي الأولى والحقيقية مع الشريك الأدبي والمقاهي الثقافية، ومن ثم واصلت التجربة التي شغفت بها، أيضا أشرفت على أمسيات بالمقاهي نالت إعجاب الكثيرين من رواد تلك المقاهي، وكان لها أثر واضح في المشهد الثقافي العام شجعني على المواصلة، ويعود السبب في ذلك كونها مواضيع مبتكرة ولم يسبق طرحها من قبل وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ صلة الأديب محمد رجب البيومي بالمثقفين السعوديين، والتي كان ضيفها الدكتور عبدالله الحيدري، وأيضا لقاء مع الأديب هاشم الجحدلي الذي حل ضيفا لدينا بأحد المقاهي بالرياض وكذلك كان للشعر دوره مع الشاعر جاسم الصحيح وغيرهم. هذا التنوع هو ما أسهم بشكل مباشر في تحقيق رغبات الجمهور والمجتمع الذي أصبح يرتاد المقاهي بشكل يومي ويجد ما يحقق رغبته وهدفه. أخيراً يظل دور الشريك الأدبي محورا هاما ويعول عليه في إيصال الرسالة الثقافية والأدبية والفنية نحو كل المجتمع السعودي على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية. سعد الأنصاري في أحد لقاءات الشريك الأدبي