في نهاية الموسم الثالث من برنامج الشريك الأدبي، وبعد رحلة طويلة كان للشركاء الأدبيين بمنطقة تبوك الدور الكبير لفترة لا يمكن تسميتها إلا ب"الفترة الذهبية" التي أنارت ليالي تبوك أدباً وثقافةً وشعراً، وظهرت بصورة متألقة تميزت بها المنطقة، نحنُ "كمتلقين تلقينا الكثير والكثير من الدعوات والفعاليات واللقاءات.. حتى بات الأمر أشبه بالروتين اليومي، هُنا مقهى وهُناك آخر، وما بينهما من فعاليّات ومساهمات مبتكرة ومتنوّعة تبني ذائقتنا وتنمي معارفنا وتثري ثقافتنا وتكُسب أوقاتنا قيمة ومتعة ورونقاً لائقاً بإنسانيتنا وروحنا التي تُزهر وتربو بالأدب والثقافة. شركاؤنا الأدبيون في تبوك بداية يستحقون الشكر والامتنان بلا شك، من جهة، ومن جهة آخرى نود أن نقف معهم ولهم في رصد واسترجاع وتقييم تلك التجربة التي بالفعل أتت أكْلُها وأثمرت قطافها، حتى إننا نتساءل كيف ستمضي تلك الهُدنة؟ ومن سيدير دفة المشهد الثقافي ريثما يعود البرنامج في حلته الجديدة وموسمه الرابع؟ إنهُ حقاً انتظار يبدو صعباً للغاية علينا! بداية أكد د. أحمد عسيري أستاذ علم الاجتماع والكاتب في علم الجريمة وآداب الغموض والأدب البوليسي أنه لابد من اعتبار أن التجربة تحسب لوزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة. وإقدامها على هذه المبادرة رسخ مفهوم الثقافة والتحصيل المعرفي العام خارج الإطار التقليدي الذي مكث طويلاً، وارتبط بالمؤسسات الثقافية التي ارتبطت أيضاً بمرحلة معينة لا يمكن الوقوف عندها وحسب. كما يرى عسيري أن المفهوم السابق للمقاهي والانطباع السائد عنها ربما سبب عزوفاً في البدايات؛ إلى أن تم استيعاب الواقع الحقيقي والعصري لأهمية المكان الذي يتساوى فيه المطلب المعرفي كعامل مشترك مكفول لكافة الشرائح المجتمعية والعمرية والمستويات المعرفية بكافة أطيافها وتنوعاتها. وبين عسيري أن التجربة المحلية شكلت انطلاقة لا تدعي الكمال، وهو أمر طبيعي لحداثتها، غير أن للتقييم معاييره ودوره الإيجابي والتصحيحي والتطويري، وهو ما تسعى إليه الجهة المعنية رصدًا وتحليلاً للمحتوى والجدوى والأثر الناجم وفق المستهدف المفترض والمتحصل الفعلي، أيضاً مجمل ردود فعل المستفيدين وانطباعاتهم الإيجابي منها والسلبي المبنية على التلقي النابه والقادر على إحداث الفرق بتغذية راجعة حسب الخبرة والممارسة. مضيفاً أن الشريك الأدبي كطرف مبادر مكمل بالانتقاء النوعي والتنظيم بما يشمل المكان تهيئة استيعابية وفنية فيما يتعلق بالصوت والصورة والتوقيت وسلامة واستمرارية البث. ويرى في هذا الجانب أن المهنية التخصصية ضرورة وتحديداً في إخراج الفعاليات من خلال جهات متخصصة كما يؤكد أن هناك مسؤولية في عملية انتقاء المناشط والفعاليات؛ حيث تشكل امتداداً لمحاضرات منهجية أكاديمية ومتطلبات دراسية تأخذ بالتخصص الدقيق. أيضاً في تكرار بعض الأسماء بلا مبرر مقنع؛ والذي ربما يكون لغرض نخبوي بدعوى عوامل الجذب. من جانبه أكد د. ياسر مرزوق - الأكاديمي والناقد أن فكرة الشريك الأدبي أتاحت لأطياف متعددة المشاركة وبفعالية وعن قرب مع حراكنا الأدبي ومشهدنا الثقافي الذي كان محصورًا في جهات محدودة ذات طابع نخبوي إلى حد كبير هو أقرب إلى الأكاديمي والمنهجي ليأتي الشريك الأدبي ليقدم نفسه بشكل أكثر قربًا، وأشد التصاقًا بالمتلقي. وعن تجربته الشخصية مع الشركاء الأدبيين يقول: أزعم بأنهم قد أضافوا إلي الكثير والمثير، تنوعًا وطرحًا وتنافسًا فلا يكاد يمر اليوم أو اليومان إلا وفعالية هنا، ولقاء هناك، واحتفاءات واحتفالات أدبية وثقافية في تناغم فريد، وتنوع لافت. كنا نجتمع لنتحاور ولنتناقش ولنختلف كذلك لكنه الاختلاف المحمود. تعرفنا على شباب من الجنسين مبدعين أدبًا ووعيًا، متحمسين فكرًا وعطاء، رائعين أداء وإنجازًا لهم إبداعاتهم التي تشهد لهم، وحضورهم الجميل الذي يسجل لهم، والتقينا بضيوف من القامات الوطنية، والهامات الإبداعية ما كان ليتسنى لنا اللقاء بهم لولا هؤلاء الشركاء. من جهته، تحدث د. عبدالرحمن السميري، باحث في علم الجريمة والأمن الفكري، قائلاً من خلال ما لمسناه للعام الثالث على التوالي من حراك ثقافي وما يقدمه البرنامج، تلقينا العديد من الدعوات والفعاليات حيث ساهمت الأندية والمقاهي الأدبية في إقامة أمسيات أدبية متنوعة، من خلال استقطاب العديد من أهل الفكر والأدب والثقافة سواء من داخل المنطقة وخارجها. لافتاً إلى أن ما يميز منطقة تبوك حصول أحد المقاهي (قروث) مقهى نمو الثقافي على جائزة التميز لعامين متواليين وهما عمر الجائزة مما أضاف إلى المشهد الثقافي حدة المنافسة الشريفة وسباقاً مع الزمن مع بقية المقاهي بالمملكة لتقديم الأفضل. وأضاف د. السميري بأن مثل هذا الحراك ساهم في زيادة الوعي الثقافي والأدبي لدى الجمهور وقد انفردت بعض المقاهي في المشاركة بالفعاليات المتنوعة والمناسبات الوطنية مما ساعد على الإقبال والسعي في الإبداع بشكل أجمل، ونتطلع أن يكون هناك حراك ثقافي نوعي في كافة المجالات لإرضاء كافة شرائح المجتمع، وأن تساهم الجمعيات المتخصصة في زيادة الوعي والتفاعل مع هذا الحراك لاحتساب ساعات عمل تطوعي لمن يحضر تلك المنتديات وعمل شراكات مجتمعية بين تلك المقاهي الأدبية والمنظومة التعليمية لاستهداف الشريحة الطلابية لرفع المستوى الثقافي بشكل احترافي. ويرى علوان السهيمي - روائي - أن فكرة الشريك الأدبي من حيث المبدأ فكرة عظيمة، وخلاقة، وقدمت للمشهد الثقافي حراكاً أدبياً لم نشهده منذ سنوات طويلة، فقد قرّبت هذه المبادرة الثقافة والأدب إلى الناس، وجعلتها تسير بجانبهم في الشوارع، واقتربت منهم قدر المستطاع، ففي السابق كانت الثقافة فكرة وحشية، يتوجس منها كثير من الناس وينظرون لها على أنها شيء عظيم لا يمكن التماهي معه، وبواسطة مبادرة الشريك الأدبي استطاع المجتمع بجميع أطيافه أن يقترب منها ويتماهى معها، ويفهمها بشكل أكبر. مضيفاً أن هذا البرنامج صنع جمهوراً جديداً لم نكن لنقترب منه لولا هذه المبادرة، خاصة أن المؤسسات الثقافية في السابق لم تكن لتقترب منهم، وتعطيهم الفرصة للدخول أو التفاعل مع الفعاليات الثقافية. كما يؤكد السهيمي أن الشركاء الأدبيين في تبوك قدموا حزمة من الفعاليات الثقافية التي أثرت المشهد خلال السنوات الماضية، وصنعت حراكاً هائلاً، وأعتقد بأنهم يعدّون من الشركاء الأدبيين المميزين على مستوى المملكة أيضاً، نظير ابتداعهم عدداً من الفعاليات الخلاقة. ويشير محمد الجبل - إعلامي - إلى أن ما يربطه بالشركاء الأدبيين بالمنطقة علاقة اجتماعية ثقافية، تحمل في طياتها مزيجاً من عناصر التأثر والتأثير والأخذ والعطاء، فهي مصدر للثراء المعرفي والاستزادة من المحفزات الثقافية، موكداً أن المشهد الثقافي في تبوك قدم نموذجاً مبهراً في كيفية استثمار الطاقات التي يمتلكها أبناء المنطقة من شباب وشابات، في كل المجالات الثقافية والإبداعية والعلمية، استثماراً يحقق معها الغاية والهدف، وهو بناء الإنسان وصناعة المستقبل معززةً قيمة الأدب في حياة الفرد حتى أصبحت الثقافة أسلوب حياة. ووصفت أمل عايش - كاتبة - ارتباطها بالشركاء الأدبيين بالمنطقة قائلة: هو ارتباط وثيق وجميل، وهادف مفعم بالحياة، أصبحت رائحة القهوة مرتبطة بفعاليات ثقافية أو أمسية شعرية أو مناظرة أدبية أو كاتب قادم من مكان بعيد، ضيفٌ يحمل معه حياة مختلفة عن الحياة، حياة بها نبض قلب يلامس الأرواح لا يسمعه الا من غاص في اعماق المعنى. مؤكدة أن تبوك أصبحت تعزز الحراك الثقافي الأدبي بقوة وتصدرت، جميع من شارك في الشريك الأدبي بإقامة الفعاليات المتنوعة والنشاط الأدبي الفاخر من نوعه، تم تسليط الضوء على أدباء المنطقة وكُتَّابها وشعرائها والمبدعين في مجال الأدب من أبنائها، مضيفة، كل يوم أفتح دفتر يومياتي لأُحدد أين أتجه لهذا اليوم إنني أستقطع من وقتي وأنا أشعر بسعادة عارمة للحضور، أمتن لله ثم للشريك الأدبي على إقامة هذه الفعاليات الأدبية لأفراد المجتمع. وريم الجوفي - معلمة وملهمة تبوك للقراءة قالت: ارتباطي بالشريك الأدبي ينبع من إيماني بالنقلات الثقافية النوعية التي أحدثتها هذه المبادرة الأصيلة.. تسهم المقاهي الأدبية في مزج الناس بعضهم ببعض، وإتاحة فضاء كافٍ لجدل الآراء الذي منه تتشكل نواة المثاقفة، ومنه أيضاً تنطلق النظريات الجديدة والبيانات الشعرية والفنية، هذا فضلاً عن أنها تُنزل المثقف من برجه العاجي فيشارك الناس حياتهم التي هي نفسها مادته في الكتابة، يستمد منهم الحكايات، ويتسرب بعضهم فيصبحون شخوصاً في أعماله، يصنع لهم مصائرهم، وهم بدورهم يصنعون له مصيره بين الكتاب.. مؤكدة أن مبادرة الشريك الأدبي مبادرة ثقافية نوعية نقلت المجتمعات نقلات جذرية وجعلت الثقافة في متناول الجميع وهذا ليس في تبوك فقط بل على مستوى مناطق المملكة. د. عبدالرحمن السميري أمل الجهني محمد الجبل علوان السهيمي د. ياسر مرزوق د. أحمد عسيري