يعد الشاعر محمد بن محسن المشاري - رحمه الله - أحد رموز الشعر العربي من جيل الرواد بمنطقة جازان، الذين ساهموا بشعرهم في وضع اللبنات الأولى للحراك الأدبي والثقافي بالمنطقة منذ بداية ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح الشعر السعودي، خاصة خلال فترة ما بعد توحيد المملكة العربية السعودية تحت هذا المسمى بسنوات قلائل، أي منذ منتصف القرن الهجري الماضي، وتحديداً من بداية عقد الستينات الهجرية، وهي - بلا شك - تعد فترة مهمة جداً في تاريخ حركة الشعر السعودي منذ ظهور بواكيره الأولى وتشكل أبرز ملامحه خلال تلك الحقبة من الزمن. وفي هذا الكتاب الموجود بين أيدينا الآن الصادر عن نادي جازان الأدبي سنة 1430ه يقدم الدكتور خالد ربيع الشافعي، أستاذ اللغة العربية بجامعة جازان، دراسة وافية عن الشاعر المشاري، ألقى خلالها مزيداً من الضوء على حياة هذا الشاعر الرائد في مجاله، الذي لم ينل نصيبه الكافي من الشهرة، ولم يحظ بما يستحقه من الدراسة والبحث من قبل الدارسين والباحثين المعاصرين، وإنما كان من أولئك الشعراء الكبار الذين عاشوا في الظل فترة طويلة من حياتهم، وقد أورد كثيراً من شعره وقصائده في هذا الكتاب مع بعض الشروحات والتعليقات المفيدة عليها، إلى جانب قيامه ببعض التحقيقات لنصوصه الشعرية، حسب ما يقتضيه أسلوب البحث والتحقيق العلمي المتبع في مثل هذه البحوث والدراسات. وفي مقدمة الكتاب، تطرق المؤلف الباحث إلى شيء من السيرة الشخصية للمشاري، ذاكراً أنه من مواليد مدينة صبيا سنة 1348ه، التي ولد ونشأ وترعرع فيها هذا الشاعر العلم، كما تطرق أيضاً إلى تلك الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة التي كانت لها علاقة في حياة المشاري، وأثرها في تكوين شخصيته الثقافية وصقل موهبته الشعرية بقوله: "ولد الشاعر محمد محسن المشاري في محافظة صبيا، حاضرة منطقة جازان، وتعد صبيا وهي المحضن الأول الذي تشكلت فيه شخصية شاعرنا، من أقدم المدن العامرة في جنوبي الجزيرة العربية، وكانت إلى حين دخولها في الحكم السعودي الزاهر عاصمة تمثل دولة مستقلة يحكمها الأشراف الأدارسة، تتوسطها عدد من القلاع، وتحوطها مزارع الحبوب السخية". انتهى كلامه. ثم يضيف قائلاً في الموضع التالي من المقدمة ذاتها: "في هذه الأجواء الأدبية، ومع كثير التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نشأ وترعرع شاعرنا المشاري، الذي كانت ولادته عام 1348 - 1927م، تلقى تعليمه الأولي في الكُتاب (المعلامة) على يد والده محسن بن محمد المشاري، ثم على يد الشيخ القرعاوي، ثم انتقل للدراسة النظامية، في مدرسة ابن خلدون الابتدائية عام 1357ه، حيث حصل على الشهادة الابتدائية، التحق بعدها للدراسة في المرحلة المتوسطة ولم يكملها، فالتحق بالعمل الحكومي موظفاً في البريد، كمتعهد لبريد مركز فيفا وبني الغازي، ثم حصل على وظيفة مأمور مالية عيبان عام 1365ه، ورقي بعد ذلك ليصبح مأمور مالية صبيا، واستمر فيه إلى تقاعده عام 1399ه، عانى المشاري من الأمراض منذ شبابه، وظل يصارعها إلى أن وافته منيته في أواخر ربيع الآخر عام 1423ه رحمه الله رحمة واسعة". انتهى كلامه.