حينما تعتريكَ رعدةٌ من الشقاء وجفوة من المهالك التي انبرت من أحداقك واتسمت بصبحٍ جديد وما هو بذاك، وإنما تهتَ في جرمكَ الصغير وفيك انطوت الأكوان بعقلك العظيم (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)البقرة:31 هي لحظتك الأولى في هذا الجرم الكبير؛ شرارة الأسماء وحروف الكلمات انبثقت كما انبثق الكون المادي من رحم العالم المبتدأ؛ الأمثل في عظمته ونوره، الذي لا يتجلى إلا من أراد لنفسهِ الخلاص من مزالق ومهالك سفاسف الواقع الزائل. قف أمام الجرم العظيم وانظر إلى صورتك الأخرى ستجد ذاتك تجلت عندما رأتكَ ترنو من عالمك الصغير في لحاظٍ وفي وترٍ من التأمل. هي رياضة النفس تتعلمها من تلك الأسماء التي انبرت لك حين أبصرت عيناك لتشدو إلى الطبيعة وانعكاساتها المتمثلة في أخلاقنا وأرواحنا. كل شيءٍ له مسلكٌ وطريق؛ من أصغرِ جرم إلى أكبر جرم، ومن بذرةٍ صغيرة إلى شجرةٍ كبيرة ومن خليةٍ وضيعة إلى عقل إنسانٍ ناضج. سلسلة مترابطة بل مسائل رياضية كونية لا تقبل التشفير ولا الزيق، هي معادلةٌ لها قانونها المكتمل والمتمثل في محيطنا الواسع، (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) (طه:98). إذ تسير الأمور متصلة تتبع بعضها بعضاً؛ كأنها مساراتٍ في طريقٍ واحد. تتجافى القلوب وتبتعد النفوس رويدًا رويدًا عندما نضخم الوهم ونتصوره حقيقة ونقطع وريد الأمل ونفقد نظارتنا المتأملة في دواخلنا إذ ينفلت الإشراق من أيدينا. عبقُ الحياة رمزٌ من هذه الرموز المتصلة بنا هي في حقيقة ذاتها أنفاسٌ نستلذُ بها عندما نفهمها لأنها ذاتنا الكامنة فينا لا تتجلى إلا بصورةٍ من الصفاء. وما الزمانُ إلا كتابٌ نقرأ فيه أسماءنا المكتوبة من حروف حياتنا ومنطقِها. خذ بيدي أيها الاسم الجديد لعلي أدفن ذاتي فيكَ أو يرتحل هذا الشقاء إلى عالمه المزيف، هكذا يصحو الضمير مخاطبًا نفسه عندما وجد روضته المهداة من خالقهِ اجتثت وتبلدت وتمزقت بعد أن أهملها ولم يحافظ عليها ونسيان رسالتها الأخلاقية والمعرفية ذات الكيان الواحد. أيها الضمير من رآك تسكن في أبعادك العليا تتجلى في ملكوت السماء نحو حقيقتك العظمى تسير دون خطى؛ نحو البعد الأول حيث التأمل إلى شروقٍ جديد، فهو فلسفتك الأولى منها المبتدأ ومنها المنتهى جَمعتْ الأضداد بل قل ملتقى الأسماء في ملتك الأولى، هي أسرتك الصغيرة لأنها ديمومتك المستمرة. فليشاطرك العقل هذه المرة لربما رجعت لصوتك الأول وسمعت اسمك أولَ مرةٍ، ثم نطقتْ كلمتكَ الأولى؛ فكانت الكلمة في حياضها في قدسيتها الكاملة، هو الصفاء بعينه يتمثل في هوية إنسانٍ كامل.