نستيقظ كل يوم نتناول قهوة الصباح ثم يغادر كل منا إلى وجهته؛ نحن إلى أعمالنا وأبناؤنا إلى صفوف الدراسة، ثم نعود إلى منازلنا بأريحية تامة ونمضي بقية يومنا في هدوء تام، قهوة المساء تتطلب شيئاً من اللذائذ المحلاة، بضغطة زر على أحد التطبيقات يأتي الطلب سريعاً. نسافر للسياحة والتنزه ثم نعود إلى أرضنا وديارنا في شوق جارف حيث الاستقرار والطمأنينة، يتلقى مرضانا العلاج في مستشفيات كبرى تضم أفضل الأطباء وأجود الأجهزة الطبية على مستوى العالم دون أن نتكلف عناء النفقات التي ترهق الملايين من البشر في شتى بلدان العالم لا سيما الدول التي تسمى كبرى ثم نقضي نهاية الأسبوع في التنقل بين المطاعم وأماكن الترفيه والحدائق العامة بأمان تام. وكما قال صلى الله عليه وسلم «من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا» رواه البخاري. قبل أسبوعين احتفلنا بمناسبة عيد الفطر المبارك، حيث أدى فيه المواطنون رجالاً ونساء وأطفالاً صلاة العيد، وتبادلوا التهاني والمعايدات في روحانية تامة وبهجة وسعادة واطمئنان. حين ذلك أغلقت معظم المجالات الجوية وكان مجالنا الجوي آمناً متاحاً عبوره للجميع في انسيابية تامة، البلدان القريبة والبعيدة تعاني العديد من الفواجع كالحروب، والانقلابات، والزلازل، والفيضانات، والنكبات والفقر والجوع والأمراض، ونحن -بفضل الله- من يضمد جراحهم ويدفئ بردهم ويعالج مرضاهم ويدفع عنهم السوء بحكمة قيادتنا الرشيدة وبفضل ما وهبه الله لنا من عز وتمكين وخير وأمن وأمان بلادنا التي اصطفاها الله في كتابه بالأمان مهما سعى المرجفون لزعزعة أمنها ومهما حاول المتربصون النيل منها، فهي في عناية الرحمن لن يمسها عدو ولن ينال منها حاقد. إبراهيم عليه السلام لجأ إليها وهي فلاة خالية من الحياة لا بشر ولا شجر ولا ماء ولا أحياء؛ فاستودع فيها فلذة كبده إسماعيل وحبيبة قلبه الصابرة هاجر بأمر الله الذي وجهه نحو هذه البلاد دوناً عن كل بقاع الأرض (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا)، بالأمان تنمو الأوطان وتزدهر فينعم الناس ويعم الرخاء وتتحقق الرؤى المستقبلية والخطط الاستراتيجية ويتجلى الإبداع ويرتقي المجتمع في هذه البلاد العامرة بفضل الله ثم بقيادتنا الحكيمة وبشعبها العظيم تحققت مقاصد الشرع التي نصت عليها الشريعة حيث ذكرها الإمام الغزالي: «وهي حفظ النفس والعقل والمال والنسل» في هذه البلاد الآمنة بفضل الله عليها وكرمه تحقق لنا الأمان المجتمعي، فالجميع على أرضها سواء رجالا ونساء بكافة أطيافهم ومذاهبهم وأديانهم في عدالة محكمة انطلاقاً من مبادئ وقيم عليا كثيرة منها التكافل الاجتماعي والاحترام المتبادل وإتاحة الفرص ومن يتجاوز ذلك يجد القانون حاكماً منصفاً. الأمان النفسي الذي نعيشه دون خوف من المرض والجوع والمستقبل والطمأنينة التي ننعم بها في ظل هذا الرخاء والازدهار نعمة كبرى هي حلم شبه مستحيل لدى الكثير من البلدان وشعوبها، يسعى مواطنو هذه البلاد دوماً للبذل والعطاء أسوة بقيادتهم التي عودتهم على ذلك ومكنته لهم عند أدنى أزمة تحل ببلد آخر قريب أو بعيد إنما هو نتاج الأمان الذي ننعم به والرخاء الذي نعيشه بفضل الله وكرمه، ولأنهم واثقون أنهم يعيشون في كنف دولة عظيمة تحميهم فتقرّ أعينهم ويهنأ بالهم. تتصارع الدول في انقسامات وحروب داخلية ونحن نتسابق في إقامة العمران وتحقيق الازدهار على كافة المستويات التجارية والاقتصادية والزراعية والتنموية بكافة مجالاتها. كما أن الله امتن علينا بالعلماء والحكماء والعقلاء من المصلحين والمربين الباعثين في النفوس الأمل والمحفزين للمجتمع بالعمل على رفع الهمم وارتقاء الطموح وسخروا علمهم وحكمتهم لحماية الدين من التحريف والتوظيف والتزييف وحماية الدنيا من الأحقاد والشتات والفرقة والفساد بألوانه. رجال الأمن لدينا صمام الأمان لبث الطمأنينة تجاه كل من طاله الأذى ونال منه معتد أو ظالم. قوات الجيش المرابطة على كافة الحدود البرية والبحرية والجوية سداً منيعاً لحماية هذا الوطن وكل من يحيا على أرضه. إدراك تلك النعم والإيمان بدوامها مكون رئيس للطمأنينة والأمان، ونافذة مشرقة تبهج النفس وتملأ القلب حبوراً وسعادة، فتجعل الإنسان يستشعر الجمال مع أنفاس الصباح ورذاذ المطر ورائحة الورد وتغريد الطيور، وذلك لن يتحقق إلا إذا تحقق الأمان التام وتمت عمارة الأرض والنهضة المادية بأنواعها وتوفرت الأموال التي تتخطى رغبة الاحتياج إلى مكملات الرفاهية، فالنفس حين تضمن قوتها تطمئن وتنعم. ويبقى على الفرد مسؤولية حسن التدبير لشؤون حياته ورسم الخطط المستقبلية لنفسه وأسرته والتنافس الشرس على الفرص واقتناصها باحترافية عالية حيث الصدارة، وحيث تحقيق المأمول منه عرفاناً لهذه البلاد العظيمة.