يروي لي أحد معارفي من الذين تولوا منصباً قيادياً في منظمة عربية قائلاً: "كنت أتعامل بكل احترام وود مع الموظفين الذين يعملون تحت إدارتي، فأشكرهم وأقدر لهم جهدهم إن أنجزوا، وأوجههم وأحاسبهم باحترافية إن قصروا أو أخطؤوا، وأدافع عن حقوقهم أمام الإدارة العليا إن كانت لهم حقوق ومستحقات. وتفاجأت أثناء حضوري أحد الاجتماعات مع مدير آخر في منظمتي يشتم الموظفين الذين يعملون معه ويتعمد إهانتهم ويستخدم سياسة الترهيب والتهديد فقط تجاههم دون أي تقدير أو شكر. استنكرت هذا السلوك من المدير الزميل بأن هذا التعامل لا إنساني وسيقتل الولاء والانتماء والشغف لدى الموظفين! فما كان من ذلك الزميل إلا أن رد بأن نجاح المدير يقتضي الحزم والقوة وأن ما أفعله من تعامل محترم ودفاع عن الموظفين هو ضعف وستكون نتيجة ذلك وخيمة في تسيب الموظفين وعدم انضباطهم وضعف أدائهم!". في حقيقة الأمر، أختلف تماماً مع رأي ذلك المدير المتعجرف الذي يرى ظلم الموظفين وإساءة الأدب في التعامل معهم ضرباً من القوة. بل على العكس تماماً. فالقوة الحقيقية هي أن تكون لطيفًا ومحسناً في التعامل مع الآخرين. والتعامل الراقي سواء في الدعم أو الحزم لا يقدر عليه سوى مدير واثق من نفسه ومؤمن بقراراته ومبادئه. وبالمقابل، فلا يعاني عقدة النقص ويتأثر بالضغوط المحيطة بشكل دائم وينهزم أمامها إلا الجبناء والضعفاء. ونتيجة لهذا الانهزام والجبن فيحاول المدير الفاشل أن يخفي ضعفه وقلقه بهذه السلوكيات غير السوية والصوت العالي والإهانات والإساءات لمن حولهم. في حقيقة الأمر، قد يكون هذا السلوك غير السوي للمديرين من إهانة الموظفين والإساءة إليهم نتيجة مرض نفسي يسمى (Apathy ) والذي يمكن ترجمته بعدم القدرة على التعاطف مع الآخرين أو ببساطة أكثر اللامبالاة. وتتمثل أعراض هذا المرض النفسي بسلوكيات معادية للمجتمع واضطراب الشخصية النرجسية حيث تجدهم قادرين على إلحاق الأذى الجسدي والنفسي بمن حولهم دون أي إحساس أو تأثر بمعاناة أولئك الذين يؤذونهم. بكلمة أخرى يمكن وصفهم بالمديرين أصحاب الضمائر الميتة.. وليس المقام هنا لتناول أساليب العلاج لهذه الحالات والتي تستدعي تدخل الأطباء والمختصين في علم النفس، ولكن المهم هو العمل على إيقاف التأثير السلبي والدمار الذي تسببه هذه النوعية من المديرين المرضى نفسياً في المنظمات التي يعملون فيها. وبعيداً عن التنظير الإداري والقيادي فالمسألة هي في إنسانية التعامل بين المدير ومرؤوسيه، وكما يقول د. أبو بكر القاضي: "إذا أحسست بالألم فأنت حي.. وإذا أحسست بآلام الآخرين فأنت إنسان". وباختصار، قمة الضعف أن يسيء المدير أو المسؤول إلى موظفيه ويضمر لهم الشر ويكيد لهم المكايد ويتصيد أخطاءهم، فإذ لم يستطع المدير أن ينفع موظفيه ويدعمهم ويدافع عن حقوقهم ويطور من مهاراتهم فعليه على الأقل أن يمتنع عن أي سلوك أو كلام يمكن أن يسبب ضرراً من أي نوع لهم. وهذا في النهاية لأجل نفسه قبل أي شيء! وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ".