السؤال: أعاني من مشكلة احتقار الآخرين لشخصي مع العلم أني لست صاحب مزاح.. الجواب: أخي الكريم أنت تشكو من احتقار الناس لك حتى وأنت كما ذكرت لست صاحب مزاح. والحقيقة أنك أجملت جداً في شكواك ولم تفصِّل، حيث لم تفصح عن ماهية هذا الاحتقار من الآخرين ولم تذكر صوراً منه كنت قد لاقيته منهم، ولعلي في إجابتي لك عن هذا السؤال المجمل أن أذكر لك أن حالك لا يخلو من حالين هما: • - إما أن هذا الاحتقار كما تسميه أنت إنما هو وهم أو توهم إن صح التعبير علق في نفسيتك وهو ليس له وجود على أرض معاملاتك مع الآخرين ولكنه شعور نفسي تجده وتتوهمه في مخيلتك وتستشعره حين تتعامل مع بعض الناس، مما يُوَلِّد لديك شعورا بالضيق وربما بالكره الشديد تجاه من بدر منه ذلك التصرف الذي ترى أنت أن فيه إهانة لك واحتقارا. الحال الثانية أنه بالفعل هناك من يحتقرك أو شيئاًَ من تصرفاتك ومعاملاتك. هذا احتمال أيضا ً وارد، فهذه الإهانات واحتقار الناس أو الآخرين ممن تتعامل معهم أنت تجلب لك الشقاء والمعاناة، وهذا بلا شك أمر مقدر ومعاناتك إنما هي رد فعل طبيعي إزاء مثل هذه التصرفات. إذاً هذا الاحتقار من الآخرين لك ناشئ كما قلت لك إما عن وهم تشعر به أنت وإن لم يكن صحيحاً، أو هو فعلاً واقع تراه وتعايشه أينما ذهبت وتعاملت مع غيرك من الناس. وفي كلا الحالين يتمركز محور العلاج فيك أنت قبل كل شيء. فإن صدق الاحتمال الأول وكان ما تشعر به من احتقار الغير لك إنما هو وهم فأنت في هذه الحالة تعيش حالة من الحساسية الزائدة تجاه تصرفات الآخرين نحوك، بحيث يكون التفسير السلبي والهجومي هو أول ما يتبادر إلى ذهنك حينما تريد وتحاول أن ترى سبباً لتصرف الناس معك. أنت لا تحاول إمرار تلك التصرفات على ما هي وكما هي، لا، وإنما تحاول جاهداً أن تجد تفسيراً لكل تصرف لا ليس ذلك فحسب بل تبحث عن التفسير الأسوأ وتجعله دافعاً وراء ذلك التصرف من الآخرين تجاهك. أنت في هذه الحالة توجب أن لكل تصرف دافعا سلبيا ولكل سلوك وحركة -قد تكون لا إرادية- سلوكاً خفياً يكمن خلف هذه الحركة وذلك التصرف من هؤلاء الآخرين تجاهك. وهذه هي الحساسية بعينها وهي مدمرة لك ولصداقاتك جميعها إن لم تتنبه لها وتعالجها في أسرع وقت. ولم أر قنبلة تفجر العلاقات الاجتماعية والصداقات الفردية أو الجماعية مثل الحساسية الزائدة تجاه التصرفات البادرة من الآخرين ومحاولة تفسيرها بعيداً جداً عن الإطار الذي خرجت من خلاله. هي قنبلة تفسد الصداقات لأنها تفضي للشك وإذا حضرت الشكوك حضرت معها أصناف التفاسير والتأويل لتصرفات الآخرين، ومع الأسف لا يوجد بينها مكان للمحمل الحسن. أما إن لم يكن مصدر مثل هذه التصرفات الموحية بالاحتقار ناشئا عن وهم وإنما هو حقيقة واقعة وملموسة فعلاً تصدر من الآخرين، فإن السؤال المتبادر للذهن والذي يجب أن توجهه إلى نفسك أنت هو لماذا هذا العمل تجاهي وليس غيرك من الناس؟. إنني في هذه الحالة أتساءل أليس فعلاً في بعض تصرفاتك وسلوكياتك ما يوجب احتقار الآخرين لك هل سألت نفسك وكاشفتها في هذا السؤال. إن بدر سلوك مشين من أحد الناس تجاهك مرة واحدة فربما يوجد لها سبب معين يكمن خلف هذا التصرف، ولكن إن كان هذا ديدن الناس معك باحتقار ما تفعله وتعمله من مختلف السلوكيات فإن أصابع الاتهام هنا تتجه نحوك أنت إذا لا يمكن أن يجتمع الناس على فعل شيء يكونون فيه من الظالمين لك. أليس يمكن أن يكون الظلم منك أنت أخي ألم تحاول جاهداً أن تجعل نفسك ملاحظاً دقيقاً على سلوكياتك وتحاول الحكم بنفسك فربما وجدت الإجابة الشافية. أما إن عجزت عن اكتشاف أية أخطاء عندك فلا بأس بالمكاشفة مع من يصدر منه ما تتصور أنت أنه احتقار لك، هلاّ صارحته وكاشفته وسألته عن دافع سلوكه معك فلربما بصّرك بعيبك وأرشدك إلى مكمن الخطأ الذي عجزت عن اكتشافه بنفسك وإن كان في تقديري أنه سوف يتبين لك أنه لم يكن سِوَى شعور وهمي لم يكن له أي أساس من الصحة. وفي النهاية كما رأيت أخي أرى أنك أنت محور المشكلة التي تعاني منها فزن الأمور بعين العقل وحاول اكتشاف مكمن الخلل ولا بأس باستشارة صديق تثق منه وتستطيع بث ما في نفسك عليه علّه يعينك في الخروج من مأزقك هذا، وإن استفحلت وعظمت أو كبر هذه المشكلة فالأجدر باستشارة أخصائي نفسي أو اجتماعي فهو المعين بعد الله في معالجة مثل هذه المشاكل التي قد نواجهها في حياتنا اليومية.