أتساءل عن سر ارتباطنا بالأشياء القديمة، والأماكن العتيقة، والتفاصيل المختبئة في الحكايات المهجورة! هل هو هوس الاكتناز، أم هو الهروب من الواقع، أم هي محاولة بائسة للاحتفاظ بالشعور الآمن الذي كان؟ أتساءل: لماذا تتوهج أعيننا حين نتحدث عن حكاياتنا وأسرارنا والتي لم تعد أسرار؟ لماذا تزداد نبضاتنا حين نبدأ في سرد أيامنا الحلوة وحتى مواقفنا الصعبة؟ لماذا نضحك بعمق حين نروي تصرفاتنا الطائشة وجنوننا في لحظةٍ ما؟ لماذا نحتفظ بالأشياء الملموسة وإن انتهى عمرها الافتراضي؟ في حيِّنا تقف السيارة القديمة جدًا لجارنا الطيب والذي مات قبل عدة أعوام، تقف بالرغم من تساقط الزمن عليها، وبالرغم من ألوانها الباهتة وملامحها التي تجاوزت الخمسين عاما، لم تتراكم عليها الأتربة، ولم تصبح مخبأً للقطط، فأبناءُ جارنا مازالوا يعتنون بها مع سياراتهم وكأنها على قيد العمل، وكأن صاحبها على قيد الحياة، لا أعرف أيَّ شعورٍ يُكنونه لسيارةٍ قديمة ومعطلة، ولكن بدا لي وكأنه أحد فصول الحنين وربما هي معلَّمٌ للأمان. أمي أيضًا تحتفظ بالساعة الدائرية العريقة ذات الإطار الأخضر والرنين العالي، وتقول بأنه لا مثيل لجودتها، تضعها بجوار سريرها لتقف بغربة بين كل تلك الأشياء الحديثة في حجرتها، ولكن اتضح لي أنها تستعيد الزمن والأحداث والذاكرة من خلال تلك الساعة، أما جارتنا المسنة فما زالت تخبئ الأطباق البنية القديمة في رفٍ محظور معللةً بأن زجاجها قوي ونادر ولكن في الحقيقة هي تحتفظ بها لعمق قيمتها العاطفية، نحن جميعنا نزور مدارسنا القديمة، بيوتنا، شوارعنا، صورنا، حكاياتنا، نفتش عن تفاصيلنا البسيطة في المتاجر العتيقة، في سلاسل الأرجوحة الصدِئة، في الدفاتر وعلب الألوان، نبحث عن الآباء والأمهات في رائحة الأطعمة وفي ساعات الصبح الأولى وفي الدعوات وملامح الطرقات. أصبحنا نقتني الأشياء التي تلامس ماضينا، ونضعها كمنبهٍ صارم يعيد لنا الذاكرة. أشارت الدراسات إلى أن أفضل أيامنا أمامنا وليست خلفنا، ولكن ربما نحن نرمم خيباتنا بوجود تلك الذاكرة لذا نحاول البقاء بالقرب من معالم مفقوداتنا، فنحن لا نحتفظ بالأشياء ولكن نحتفظ بالمشاعر، ونحاول الوصول إلى نسخنا القديمة عندما نتعثر، وعندما تتيبس الأيام.