قصة قصيرة جداً: لم يكن ينقص ذلك الببغاء الزاهي بريشة طويل اللسان,, ثرثار الحديث شيء, كان يمارس الطيران كأنما سيبلغ السماء ارتفاعاً,, فما خطبه الآن,, مالذي غيره؟,, وقلب عادته,,؟ لماذا آثر الصمت على الثرثرة؟ لماا آثر الهدوء على الشقاوة؟ لماذا آثر الجلوس على التحليق؟ لماذا آثر الارض على السماء؟ أيعقل,, ايقعل ان ينسى ماضيه؟!,, ايعقل ان يقسم لذاكرته أنه سيعتز لها بالثلاث ان هي فكرت بالعودة الى الوراء؟! العودة الى البداية؟! العودة الى الانتصارات الاولى؟!,. دهش من حوله,, امتلأ الجميع بالاسئلة,, ماتلك الصدمة العنيفة التي هزت عواطف الببغاء, واسقطت معمورته ارضاً,, وبات اشبه ما يكون ببومة نحيله,, كل ما يمتلكه عينان كبيرتان ترقبان بحذر,, ضوء فجر او,, ستر قبر!! فما الذي حدث؟ الببغاء خرج من عشه صباحاً,, يسابق الفرح فيسبقه يداعب الغيم بمنقاره,, فيهطل المطر, حلق كثيراً حتى غلبه التعب,, فلجأ الى عشه الصغير يأمل ان يسترخي بعمق,, ويمد ساقيه حتى آخر الراحة,, لكنه في عز الامان في شعلة تنهيدة الراحة في فرط زهو الاحساس برغبة النوم فرد جناحاه عن يمينه,, عن يساره فماذا وجد؟,, لقد شعر بوجود شخصين سكنا عشه الصغير,, احدهما كان يشبهه في الزمان القديم,, ثم رحل عنه توارت ملامحه خلف زحمة الحياة، ومشاغل الوصول الى القمة,, والآخر غريب,, غريب وفي عينيه بريق الانتصار حيناً,, وحيناً آخر بريق يشبه الخوف ,, اكتشف الببغاء انه كان واهماً,, العش لم يكن عشه,, الصغير الدافيء,, لم يكن يوماً عشه؟! نظر الى الذي كان في الزمان القديم يشبهه تمعن فيه كثيراً كثيراً, فأدرك خطأ العنوان,, دار رأسه زاغ بصره,, حاول النهوض نهض بصعوبة,, اراد الطيران,, فاكتشف انه نسي كيف كان التحليق,, الصدمة كانت اعنف,, اقوى من احتماله مما جعله يفقد ذاكرة التحليق,, اتجه نحو الاسفل,, نحو الارض,, لم يمت لكنه مارس الفعل الاصعب,, مارس الصمت !! اليوم ,, في تاريخه وساعته زاره من كان في الزمان القديم يشبهه,, اراد هذا الاخير, ان يعيد له شيئاً من جميل صنعه فيما سبق,, اراد من كان يشبهه,, ان يعلم الببغاء الطيران من جديد,, معتمداً على قناعة لماذا لا؟ طالما,, انه من الممكن!! ,, لم يستجب الببغاء بأي انفعال,, لهذا المنطق او لتلك القناعة خاصة بعد ان تذكر بريق الانتصار الذي لمع في عين ذلك الشخص الغريب الذي سكن عشه مع من كان في الزمان القديم,, الجميل,, يشبهه,. نهض الببغاء,, قبل من كان يشبهه من جبهته,, وشكره على كرمه حتى ولو جاء متأخراً,, لم يحاول الطيران من جديد,, فلقد علمته الحياة ان الكون جميل من موقعه وان محاولة رؤية الكون من اعلى,, في حالات كثيرة,, تماماً كمحاولة العودة الى احضان من كان يشبهه,, دافئة,, جميلة لكنها,, مؤقتة,, ومهددة بشيء يشبه الخوف!! 2 فلسفة القمة فلسفة واهية اخترعناها,, ثم صدقناها فأصبحت هي الغاية,, الاغلبية يتسارعون إليها,, والاغلبية هذه تعلم انها لن تبقى,, اذن الاغلبية سيتساقطون من عليها,, وأقلية من تلك الاغلبية سيزهدون القمة,, ولكن متى؟! بعد مرحلة من التعب للوصول اليها؟! يؤسفني,, ان العالم يتهافت على الوسيلة وينسى في زخم هذا التهافت الغاية الاسمى,, او حتى الغايات البسيطة الواضحة الصادقة!! وأتساءل بيني وبين نفسي كثيراً,, في تلك القمة فوق تلك القمة البقاء لمن؟,, وأجيب على ذاتي بسرعة,, انه وفقاً لملامح عديدة عايشتها وعرفتها,, قرأت عنها,, وسمعت بها وفقاً لتلك الملامح,, تنعدم فكرة ان البقاء للأقوى, وتأخذ هذه الفكرة طريقها ان البقاء ليس للأفضل,, ليس للأصدق,, ليس للاطيب ليس للأوضح البقاء للقمة فقط,, وتلك الرؤوس ما ان تصل الى القمة حتى تكون قد أينعت وحان قطافها,, فلماذا هذا التهافت؟ ولماذا يعتقد المرء في لحظة انه يستطيع ان يكون الاوحد في كل شيء,, ويقلد القمة دوماً!! وينسى ان السقوط او التساقط,, سيزوره يوماً؟!,. اذن,, لنسلك درباً بعيداً عن فلسفة القمة الواهية,, ونجعل منها سطحاً أفقياً يتسع للجميع فنقلل من حتمية السقوط وربما نلغيها,, فهل هذه فلسفة وأهية أخرى؟! 3 احياناً,, تشعر انك انت لست انت القديم وان آخر نبت داخلك وتأصلت جذوره,, والتفت مع شرايين جسدك!! واحد آخر افضل اعمق,, اجمل عندما تدرك ذلك في نفسك عد إلى ذاكرتك ستجد ان كل الصور,, والوجوه تغير ترتيبها,, انتبه انا احدث هنا الأكثر عقلاً, والمتزن عاطفة ,, الذي يلغي القمة,, ويقوي داخله روحاً أخرى تهتم بالجميع,, عن قناعة,, لا رغبة في شيء!!,. وأحياناً,, ترى ان قلب الذاكرة وتفريغها وتنظيفها,, وغسلها بالماء البارد,, أفضل بكثير,, فمن يستحق البقاء؟! واحياناً تجد ان اقلية قليلة جداً جداً تستحق البقاء قيد الحفظ لا قيد التعايش,, هؤلاء كالعابرين,, يحضرون لحظة وجود من يذكرنا بهم أو يحدثنا عنهم,, فترج المشاعر قليلاً ثم تعود وتستقر في القاع مرة أخرى!! آخر الحكاية: أعود إلى ذاكرتي,, أعصر من بها,, ومابها فأنصدم بوجود رحم عقيم,, يسكن منتصف الذاكرة,, لا يحوي شيئاً معدوم النسل مهدد البقاء وطلاقه من الدنيا قريب. لكنني عندما أرغم الذاكرة على مخاض مفتعل,, أراني أشبه ما أكون بعجوز,, مقوسة الظهر,, تحمل فانوساً بيد,, وعصا تتكئ عليها بيد أخرى ثوبها طويل بشرتها اشبه برمال النفوذ ,, تعبر دهاليز الذاكرة المظلمة,, كلما أرادت ان تتعرف على ملامح كان لها تاريخ ,, رفعت الفانوس إلى أعلى,, تنظر في تلك الملامح,, ثم تخفض الفانون وتلعن الشيطان ألف لعنة فما الحاجة الى رؤية الملامح العابرة؟ ,, هي ملامح واحدة,, واحدة فقط,, واحدة لا غير,, واحدة ومن غير؟ ابقت أمامها الفانوس لفترة طويلة,,عاد اليها شبابها,, فرحتها,, لكن الفانوس فجأة انتهى زيته,, وخفت نوره حتى انطفأ واختفت تلك الملامح,, غابت,, دخلت في زمرة العابرين,. أتعجب كيف يمكن للذاكرة ان تلفظ أجنتها وتحتفظ برحم عقيم هل يتساوى الناس حقاً,, لماذا؟ ومتى؟ وكيف؟,, وما مصير أولئك الذين كانوا ذات يوم في القمة؟ هل سقطوا؟ هل سقطوا من الذاكرة؟ من قمة الذاكرة؟,, ونحن كيف نقنع أنفسنا كالببغاء ان رؤية الحياة الكون الملامح من موقعنا فعل اكثر ذكاء,, من محاولة اعادة ارتقاء القمة,, أو ممارسة التحليق؟ كيف نقنع أنفسنا ان محاولة العودة,, كمحاولة ملء الفانوس من جديد ليضيء ملامح كانت,, ملامح واحدة كانت,, تجربة فاشلة,, ليست فاشلة تماماً,, ولكن هل نملك القدرة الرغبة العمر للاستئناف أشك في ذلك!!!