لم يكن يوم فتح مكة يومًا عاديًا، بل كان يومًا عظيمًا من أيام التاريخ، فلقد كان لمكةالمكرمة وما زال في قلوب المسلمون قداستها وجلالها الديني، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينةالمنورة متجهًا إلى مكة لفتحها في العاشر من رمضان عام 8 للهجرة، في جيش قوامه عشرة آلاف صحابي، وذلك بعد أن نقضت قريش عهدها، فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على فتحها، فدخلت قوات المسلمين مكة من جهاتها الأربع في آن واحدٍ، ولم تلقَ تلك القوات مقاومة كبيرة، ففتحت مكة دون قتال في نهار يوم الجمعة في العشرين من رمضان عام ثمانية للهجرة، وأصدر الرسول الله صلى الله عليه وسلم العفو العام؛ فقد عفا صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة، فقال: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام خاشعًا يقرأ سورة الفتح، وطاف بالكعبة على راحلته، وأمر بتحطيم الأصنام، وقال: «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً»، ويوم الأمان وعصمة الدماء وحرمة الأنفس وإعلان الطوارئ، إنه يوم من دخل داره فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، كما حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بالالتزام بالعهود ورد الأمانات لأهلها، ورد مفتاح الكعبة إلى بني شيبة وقال له: «هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم برَّ ووفاء»، وأبقاه على سدانة البيت رغم الذي كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه، فكان فتح مكة نصراً عظيماً لعقيدة الإسلام على عقيدة الشرك، ونصرت فيه كلمة الحق على كلمة الباطل، وأعز الله به رسوله وحده، ولم يكن انتصارًا لذات أحد بعينه؛ بل كان فتحًا مبينًا فتح الله به حصون الشرك. *باحثة دكتوراة في التاريخ