أصدر المتخصص في علم الاجتماع والباحث في الثقافة والأدب الدكتور عبدالله بن محمد العمري كتابه الجديد تحت عنوان «الشعر الشعبي الخليجي وتعزيز القيم الاجتماعية» ليكون الإصدار الخامس للعمري بعد ثلاث روايات وكتاب «علم اجتماع الأدب» وعدد من الأبحاث والمقالات المحكمة في الرواية السعودية وتحولاتها، والأدب الشعبي الخليجي. وهذا الإصدار للعمري على ما يبدو فريد في مجاله، ويحقق ريادة على مستوى الموضوع، والمستوى الفني والأدبي والعلمي، وهو كتاب جدير بالتناول والاهتمام، ومميزات هذا الإصدار تتنوع حسب طبيعة الزوايا التي ينظر إليه من خلالها، فهو كتاب لمتخصص وأديب وباحث استطاع أن يجمع عدة ملكات وإمكانات إبداعية أخرجت لنا هذا المؤلف. كتاب العمري عن الشعر عندما كان خطة بحث خاض جولات من الإقناع، وإثبات قدرة باحث استطاع الحصول على الموافقة عندما كانت الدراسة تستهدف الشعر الفصيح، وعندما تحولت الدراسة بقرار مفاجئ من العمري من الشعر الفصيح إلى الشعر الشعبي أوقع اللجنة في حيرة، ولكنه نال ثقتها الكبيرة وموافقتها للمرة الثانية، وبالتالي دعمها ومساندتها. جاء الكتاب في أربعة فصول بعد التقديم الذي كتبه الأستاذ الدكتور صالح بن إبراهيم الخضيري الأستاذ في جامعة الملك سعود، وهو المشرف على الرسالة العلمية التي تمثل نواة هذا الكتاب، وقدمت في جامعة الملك سعود كلية الآداب في حينها. قسم علم الاجتماع في العام (2018م). وقد أشاد الخضيري بمستوى المادة التي قدمها العمري والمراحل التي مر بها البحث ابتداء من الحيرة التي جعلت الأساتذة يتريثون في إعطاء الموافقة على تناول الموضوع بالبحث مما اضطر المشرف إلى أن يظل محايدا بعد أن جمع العمري بعدد من أساتذة القسم للبت في قبول الموضوع من عدمه، وبعد اجتماع اللجنة العلمية بالباحث تحولت حيرة اللجنة إلى حالة من الحماس والتأييد للموضوع والكاتب خصوصا وأنه استطاع أن يجيب على كل التساؤلات ويضع خطة تأليف واضحة المعالم وأن يقنع الباحث العمري اللجنة بقدرته من خلال ثقافته الواسعة ومعرفته بجوانب الموضوع المتعددة وملكته العلمية والأدبية والشعرية، وقد أصبح أعضاء اللجنة دائمي السؤال عن كل جديد في البحث، وعرضهم المساعدة في توفير المراجع للباحث. وأكد الدكتور الخضيري على متانة العمل المقدم من العمري وتسلسل مواضيعه وربطها ببعضها بحيث يجد المهتم الأكاديمي ما يطمح إليه من معلومة تؤدي إلى معلومة تؤدي إلى معلومة فرعية مرتبط فيما بينها برابط منطقي منهجي حقق بها الباحث ريادة مؤصلة لطريقة جديدة في تناول ثقافتنا الشعبية. جاءت الفصول الأربعة المكونة للكتاب بعد التقديم بقلم الأستاذ الدكتور صالح الخضيري لتؤكد على ما وضحه الخضيري، فالفصل الأول وتحت عنوان المستخلص أكد العمري على أهمية الدراسات الاجتماعية فهي من أهم الدراسات لرسم الخطط وتحديد المسار ولإثراء الواقع والمستقبل على أساس قوي من التراث الثقافي التراكمي المُعزز لثقة الأجيال بواقعها ومستقبلها مع عدم قطعها عن سياقها الثقافي السابق. تناول الفصل الأول كذلك قضية العلاقة بين الأدب والمجتمع، والأهمية الكبيرة للأدب في حياة المجتمعات وتطورها ورسوخ هذه العلاقة في صفحات التاريخ الاجتماعي والثقافي والحضاري. وفي الفصل الثاني الذي جاء ثريا بالمعلومات والتناول المنهجي العميق مع سلاسة في الأسلوب تُمكن غير المتخصص من تحقيق الاستفادة من الطرح التوثيقي للموضوع المدروس من خلال مدارس علمية ربطها الكاتب بعدة اتجاهات فالاتجاه الثقافي والاتجاه الاجتماعي ربطت العنوان الرئيس بما بعده من مواضيع الكتاب بشكل ملفت من حيث الأسلوب البليغ والتناول الواضح والإيضاحات الجاذبة للقارئ لإكمال القراءة ومعرفة بقية التفاصيل الواردة في الكتاب. والأمر اللافت في هذا الفصل من الكتاب قدرة الباحث الكبيرة على الكتابة بتوازن واضح بين الرؤية والطريقة العلمية والأسلوب الأدبي مما يخلق تمازج بين موضوع الكتاب والمنهج العلمي والمفردة الأدبية، كما أن كمية التفاصيل التي استطاع الكاتب إيرادها دون تأثير على مسار الفكرة أعطى قيمة إضافية لهذا الكتاب القيم والجامع للكثير من المعلومات التي حضرت لتفي بحاجة القارئ المتخصص والقارئ الهاوي. وما زال الحديث عن الفصل الثاني الذي طرح فيه الكاتب مواضيع الأدب الشعبي العربي وصولا إلى الشعر الشعبي العربي لكافة الدول العربية مع إدراج جدول تفصيلي عن تلك الدول، وتضمين الكتاب لعدة نماذج من الشعر العربي وفق عدة مسميات بين شعر ملحون ونبطي وعامي. جعل الكاتب العمري الأدب الشعبي العربي ومن ثم الشعر الشعبي العربي باب للدخول إلى الشعر الشعبي الخليجي الذي أسهب في تناوله بشكل على ما يبدو لي لم يُسبق إليه، فالتناول يجمع بين ملكة أدبية واضحة وقدرة علمية ملفتة. عندما بدأت في قراءة الكتاب لم أكن أتصور الطريقة التي سيتناول بها الدكتور العمري الربط بين الشعر الشعبي والقيم، ولكن ما إن أتممت قراءة الكتاب حتى استحضرت كلام الدكتور الخضيري في المقدمة من أن الكاتب قد أسس لمنهج علمي رصين يمكن إدراجه في مناهجنا بكل ثقة، وجاءت كلمة الخضيري بالنص التالي: «وفي رأيي أن موضوع البحث وطريقة تناوله تعتبر رائدة ومؤصلة لطريقة جديدة في تناول ثقافتنا الشعبية وفق منهج علمي رصين يمكن من إدراجها في مناهجنا بكل ثقة وفخر». وفي الفصل الثالث جاء الجانب العلمي الذي يؤكد على إمكانيات بحثية بادية حتى لغير المتخصص من سلاسة في طرح الأفكار تمكن القارىء من معرفة الوصف الذي طرحه العمري لبيانات الدراسة وأهم نتائجها. أما الفصل الرابع فقد خُصص للنتائج ومناقشتها ووضع التوصيات، والتي يبدو أن الكاتب قد اختصرها لاعتبارات مرتبطة بتحويل الرسالة العلمية إلى كتاب. يعود بنا الحديث عن الشعر الشعبي إلى الفصل الثاني حيث بدأه الكاتب بتحديد موقع الخليج العربي والحديث عن المجتمع الخليجي وطبيعة حياته والتنوع المرتبط بالبيئة الداخلية ونوع الحرف والمهن الاجتماعية وتأكيده على أن منطقة الخليج عبر الأزمنة تعتبر منطقة مركزية في أهميتها وفي تأثيرها على مسيرة الحضارة، ومن ثم تطرق لتأثير اكتشاف النفط على المجتمع الخليجي قبل أن يتناول تعدد مسميات الشعر الشعبي الخليجي، وتناول بعدها الحديث عن المفردات المستخدمة في الشعر الشعبي وعلاقتها بأصولها العربية، وطرح كذلك قضية تدوين الشعر الشعبي الخليجي ومكانة الشعر في المجتمعات الخليجية وبحور الشعر الشعبي الخليجي وأوزانه.