نشأ هذا الأديب الأكاديمي على الجلوس حول مائدة الأدب والكتب ودراساتها، وعلى البحث والدراسات الجامعية والأكاديمية وآدابها، وله في ذلك الباع الطويل والدرس والبحث الدارس للأدب العربي وشعره ونقده وعصوره من الجاهلي حتى العصر الحديث، ذلك أنه عشق العربية وبحث موضوعاتها وأسرار لغاتها وشعب لهجاتها وبيانها، فكان بذلك من عشاقها، ولنبدأ بإطلالة على كتابه: "لغة الشعر العربي الحديث" ليرينا مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية ويوضح السعيد أن كتابه هذا قد حمل على عاتقه الجانب التطبيقي والجانب الجمالي الفني في دراسته للشعر العربي الحديث، أي دراسة التجربة الشعرية العربية الحديثة في إطارها الفني والبشري من خلال منهج تطبيقي يعتمد على الاعتماد على النص الشعري وعلى طاقة اللغة الشعرية، وعلى طاقة اللغة الشعرية وإمكاناتها الفنية والجمالية والإبداعية، أنظر صفحة 9 طبعة دار النهضة العربية بيروت 1404ه - 1984م. هذا الكتاب المفيد في شعريته الدارسة في العصر الحديث للشعر العربي المعاصر أدباً وبياناً وشعراً فنياً. والدكتور الورقي طبق في دراسته هذه ماكتبه عباس محمود العقاد من قواعد لشعرية اللغة العربية من جانبها الحديث سواء من حيث الحروف أو المفردات والإعراب إلى الفصاحة ولغة التعبير في الشعر العربي في كتابه: اللغة الشاعرة: "مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية" وعلى فصوله بصفة عامة، وبخاصة فيما يتعلق بالحداثة ولغتها الشعرية والعلمية والمعرفية فيما اختصره العقاد في كتابه بعد ذلك تحدث السعيد بإسهاب عن الخيال والصورة في الشعر العربي الماضي والمعاصر والقديم والجديد تبعاً لحديثه عن الموقف الشعري في القصيدة العربية الحديثة، وكأنه يقنن للخيال والصورة بطريقة علمية لا أدبية فحسب سواء وهو يتحدث عنهما قديماً أو حديثاً يتبع ذلك بالصورة الموسيقية للقصيدة على بعض شعر صلاح عبدالصبور ونزار قباني ملخصاً بذلك التجربة البشرية كجانب من جوانب التجربة البشرية وليس ذلك فقط وإنما عن طريق الموقف الاجتماعي والذاتي للشعر الإنساني في دراسات سابقة مثل "دراسات في العشر العربي الحديث لانطانيوس ميخائيل" ودفتر الثقافة العربية الحديثة لعصام محفوظ ومن المجالات الأخرى قدم الدكتور الورقي في مجال الدراسات الأدبية كتاب "في مصادر التراث العربي" وباديء ذي بدء يعرف المؤلف كتابه هذا بقوله: المقصود بمصادر التراث العربي كل ما كتب باللغة العربية من تراث فكري وفني آثار مكتوبة موروثة حفظها التاريخ من الماضي حتى ما وصلت إلينا داخل الحضارة السائدة". ولكن ما هي المصادر التراثية التي تناولها الورقي في كتابه الذي نحن بصدده؟ ومن هم مؤلفوها؟ نقول في التو أبو عثمان الجاحظ وكتابه البيان والتبيين ومحمد بن يزيد المبرد في كتابه الكامل في اللغة والأدب، وهذان على سبيل المثال، وقد قسم المؤلف كتابه على أبواب في المصنفات الموسوعية وفي المصنفات المتخصصة وهذه المصنفات تخصصت في العلوم الإنسانية واللغات العربية والفنون الأدبية والفصاحة والبلاغة والنقد وسائر فنون النثر والشعر عند العرب والمسلمين وأنت ترى هذا الصرح العلمي الكبير ليعطيك صروحاً معنوية متجددة فلا يكاد يذكر علم إلا ومعه شرحه ولا يكاد يبين لك صرحاً في الفنون إلا وأظهر لك صرحاً ادبياً في المنطق أو اللغة أو الفلسفة أو أي علم آخر من العلوم الإنسانية ومن أهم ماذكر من مصادر التراث العربي كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه ولسان العرب لابن منظور المصري وتاريخ ابن خلدون، عرضها الورقي بمنظار موضوعي ورؤية ثقافية أتاحت للمتلقين معرفة ما تحتوي عليه هذه المصادر من موضوعات وأفكار ومعانٍ بما في ذلك مصادر التراجم والسير، ومصادر التاريخ والجغرافيا ومصادر العلوم الإنسانية ومصادر الفلسفة والأخلاق والاجتماع ومصادر العلوم التجريبية والرياضية، إضافة إلى العلوم الأدبية واللغوية والبيانية التي ضمتها كتب هذه العلوم جمعاء التي ترامت في مجالاتها إلى العديد والكثير وكذلك يتضمن الكتاب مئات وعشرات من المصادر بين موضوعاتها ومؤلفاتها وكتبها وفنونها في التراث العربي الواصل إلينا وكذا المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف الورقي، في كتابه هذا عن مصادر التراث العربي ومختاراته منها فأحسن وأجاد وأعلم وأفاد، وأعان الباحثين على توخي أفضل الكتب في تاريخ الأدب العربي بصفة عامة، المعتمدة للدراسة الأدبية والرجوع إلى أمهات الكتب العربية تراثياً وتاريخياً وأدبياً، كل ذلك يدخل في إطار الثقافة الأدبية للقارىء والباحث والأديب. وللمؤلف الأديب السعيد دراسات أدبية أخرى وكتابات قصصية كثر، نلمح عنها هنا كي تبين للمتلقي ثقافة هذا الرجل الأكاديمي الأديب وتوفر مرماه في التأليف الكتابي أدبياً على وجه الخصوص وبحثياً دارساً للآداب بما فيها النثر واللغة والشعر والنقد، أما من حيث البحث والدرس ففي كتبه: اتجاهات القصة القصيرة في الأدب العربي الحديث اتجاهات الرواية العربية في العصر الحديث مقالات في النقد الأدبي وهي أبحاث دراسية ودراسات أدبية ذات مقامات إبداعية ورصانة أسلوبية في تناول مؤلفها الأدبي وطرحه للموضوعات الجيدة في مجالات الأدب العربي القديم من والمعاصر، فدراساته لهذا الأدب جديرة بالأخذ بها مما يؤنس روح الأديب الفنان، وفؤاد الشاعر المفن والقاص الراوي المبدع وبالذات كتابه: "مقالات في النقد الأدبي" الدال على قدرة مؤلفه على احتواء رأيه في مجموعة من الأعمال الفنية الرائعة. أما أعمال الورقي الإبداعية فتتمثل في القصة القصيرة بفنيتها المبدعة ووحدة عضويتها القوية والسرد الماتع الجميل الذي لا يقصر فيختل أو يطول فيمل، ومن هذا المنطلق الإيجابي درج الأديب القاص الأكاديمي في كتاباته للقصة وسعيه الحثيث للرواية مما مكنه للنقد الأدبي ودراسته به للأعمال الروائية والقصصية فيما ذكرنا له من أعمال ومؤلفات وكتب وقصص قصيرة إلى نقده الأسلوبي للروائيين والقصاص، وسبر سير الأدب العربي المعاصر على طريق الوصول إلى العالمية في الأدب والنقد والفن وتقديم عمل بناء دراسته عن لغة الشعر العربي الحديث بمقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية ألا وهو الكتاب الذي أومأنا إليه في مستهل حديثنا والحامل لأجل عمل رآه المتلقون وشهده القراء ونال ممن كتب عنه قبولاً وأنساً ورضا لهذا البحاثة الأديب والدارس النقدي الأريب، وبشيء من التهذيب والتأليف والتوفيق بين كتبه يتوقع لهذه الكتب الورقية أن تشتمل على مايمكن تسميه بالموسوعة الأدبية المختصرة فمؤلفنا الفاضل يمتلك علماً وافراً في العلم الأدبي والمعرفة الثقافية والدراسة النقدية للفنون والآداب والمعارف وهو أحد الكتاب البارعين في مصر وماحولها من المناطق والبلدان وأحد رموز الجامعيين الأكاديميين فيها وبالعالم العربي ككل، يمتلك مؤلفات جمة وكتبًا عديدة تربو على الثلاثين كتابًا ودراسات بالمئات تعدادها، وأعمال في الأدب والنقد الكتبية منها وفي الدوريات والدراسات المحكمة في المجلات المتخصصة في كليات الآداب ومعاهدها في عالمنا المعاصر من المحيط إلى الخليج، وفي نظري وفي رؤيتي لأعمال عبقرية كأعمال الدكتور سعيد الورقي أنها تمثل مدرسة من مدارس الأدب العربي المعاصر في النقد الأدبي وفنه وبالذات في مصر حيث يذكرنا بمدرسة الديوان للعقاد والمازني وعبدالرحمن شكري ومدرسة الاحياء الجديدة ومدرسة أبولو، تلك المدارس التي لم يشهد علم الأدب في الوطن الكبير مثلها إلى يوم الناس هذا ولم تر ساحة المعرفة والنقد في العالم العربي مثيلاً لها إلى يومنا، فالورقي اعتبره بقية السلف ومن رواد الأدب العربي المعاصر السائرين في درب الكلاسيكية الحديثة ومرحلة الإبداع الأدبي الأصيل والجميل في سيرها الكيفي ومسيرتها الإنسانية نحو الآداب والعلوم والثقافة، ولله في خلقه شؤون.