كان أستاذي العزيز، وشيخي الفاضل، الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل - حفظه الله - دقيقاً جداً وهو يعلّمنا الفروق الدقيقة بين المصدر والمرجع في الفصل التمهيدي لمرحلة (الدكتوراه)، وكنت في بادئ الأمر أظن الأمر سهلاً، لكنني حين أخذت الموضوع على محمل الجدّ، وجدت أن شيخي - حفظه الله - كان مُحِقّاً، كيف لا وهو أستاذ الأدب والنقد الخبير، وأحد روّاد التحقيق في مجال الأدب، والشعر القديم، فجال بنا في مصادر الأدب المهمة، وأصول تلك المصادر، ووسائل وجودها، ثم قراءات في أهم مصادر الأدب، والتعرف على أعمدته التي ذكرها ابن خلدون. وكان أستاذي - حفظه الله - يملي علينا بعض الفوائد الجليلة حول المصادر والمراجع، فمهّد لنا تمهيداً جوهرياً، وكان مما أملاه علينا، وكنت أقيّده، أنه لم يُعثر على كتاب يعرّف بالمصادر والمراجع في التراث العربي، فالمعاجم القديمة كانت لا تبرح في العناية والاهتمام مصدر الفعل، أما المصدر الأدبي فلم يكن له وجود في التراث العربي يدل عليه، ويوحي إليه، ولكننا إذا انتقلنا إلى معاجم اللغة الحديثة، فإننا نجد فيها طرفاً يوحي إلى المصدر، فالمصدر: ما يصدر عنه الشيء (المعجم الوسيط). إذن فاستعمال المصدر - بحسب أستاذنا - استعمال حديث ذكرته الكتب الحديثة التي تتناول البحث الأدبي، ونلحظ كثرة عنوانات الكتب التي تحمل كلمة (مصادر)، مثل: (مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، ومصادر الدراسة الأدبية، ودراسة في مصادر الأدب، والمصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي..)، وقد تناولت هذه الكتب تعريف المصدر والمرجع في تعريف جامعٍ لها، فمن ذلك أن «المصدر أصدق ما يكون حين يطلق على الأثر الذي يضم نصوصاً أدبية شعراً، أو نثراً لكاتب واحد، أو مجموعة من الكتاب (...) أما المرجع فهو ما يساعد على فهم النص الأدبي، وتوضيحه، وتفسيره، وتقويمه». وقد ساق أستاذنا – حفظه الله – بعض الشواهد على ذلك، مبيّناً أن المصدر (ما حوى مادة أصيلة)، وأن المرجع (ما استعان بذلك المصدر)، واستشهد بنص (الحماسة) في كونه مصدراً، و(شرح المرزوقي) في كونه مرجعاً، إذا لم يكن المرجع في ذاته أصلاً في الدراسة، وإلا أصبح مصدراً، وقد أعجبني هذا التعريف الذي دونته لأستاذنا، وكنت أراه معياراً، يقول: «المصدر: ما حلّت فيه المادة الأدبية، وما وضعه المبدع من تلقاء نفسه، والمرجع: المادة الأدبية التي تتناول مادة المصدر بالأخذ، أو الدراسة، أو العرض، أو المناقشة، أو التحليل». قلتُ ذلك عندما أخذتُ أحكّم بعض الأعمال العلمية التي تردني، وصادفتُ فيها خلطاً واضحاً ومتكرراً لدى بعض الباحثين الذين لا يفصلون بين المصدر والمرجع، وإنك لتعجب حين ترى بعض المتخصصين من الأكاديميين يخلط الحابل بالنابل، فلا يعرف مصدره من مرجعه، ولا مرجعه من مصدره، فيجدّف هنا وهناك، ويطرح آراءه، وهو لا يدرك الأصل الذي استقى منه، وبنى عليه، فلا ترى في مادته العلمية روحاً، ولا أثراً، ولا لوناً، ولا طعماً، ولا رائحة، ولعمري إن ذلك ليؤثر على قيمة البحث العلمي، وما يتوصل إليه من نتائج.