من الغايات السامية التي يسعى إليها الأدباء والمثقفون؛ أصالة الروح الاجتماعية التي ينتمي إليها المجتمع وينتمي إليها أدبه الأصيل وثقافته العريقة، وعدم تزييفها بأي حال من الأحوال. ولهذا السبب الأساس كانت الوسطية والاعتدال غاية الأدب وجوهر الثقافة في مجتمعنا السعودي، وفي كل المجتمعات الواعية الرشيدة؛ وحقيقة الوسطية وغاية الاعتدال تتمثَّل في المواءمة بين المثال والواقع؛ من خلال رفع الواقع من واقعيته المهدرة اللامسؤولة، والنزول بالمثال من أبراجه العاجية المتعالية، والإلتقاء بينهما في أفق أدبي ثقافي اجتماعي يجمع بين السمات المثالية المتمثلة في سموها وعلو شأنها، والسمات الواقعية المتمثلة في انبساطها ومرونة اعتناقها. ومن أجل هذه الغاية السامية العليا أقامت وزارة الثقافة برامجها وأنشطتها وفعالياتها المتعددة المتنوعة، وحشدت من أجلها الأفكار النوعية المائزة الممتعة، والرؤى المتجددة الرائدة على شتى المستويات والأصعدة. ومنها مبادرة "الشريك الأدبي" إذ عقدت من خلالها هيئة الأدب والنشر والترجمة شراكات أدبية مع المقاهي؛ رجاء ترويج الأعمال الأدبية بشكل رائد ومبتكر، مما ساهم في رفع الوعي الثقافي بشكل مباشر، عبر سلسلة من الأمسيات الأدبية والثقافية؛ جعلت من ارتياد المقاهي تجربة أدبية ثقافية مختلفة. ورغم النجاحات المشهودة، والإقبال الملحوظ من أكثر أطياف المجتمع رغبة منهم في الإفادة والإسهام في مبادرة "الشريك الأدبي" إلا أننا نجد قلة من أهل الأدب وأرباب الثقافة لا يستحسنون هذه المبادرة جملة وتفصيلا؛ مبررين ذلك الموقف بأن المقاهي محل للترفيه والمؤانسة، لا محل لائقاً لتداول الأدب والتثاقف والمدارسة! وهذا الموقف يحظى باعتناق عدد لا بأس من المثقفين والأدباء والمحافظين "كما يصف بعضهم بعضا" وحقيقة الحال أن بعضهم من المؤثرين في فضاءات الأدب والثقافة؛ وعند التأمل والتحقيق نجد أن "العقل التقليدي" قاسمهم المشترك، وهذه العقلية التقليدية درسها الدكتور علي الوردي في رؤيته الاجتماعية التي أسماها: "التناشز الاجتماعي" ويعني بها العقل الجمعي، والذائقة التقليدية والذهنية الاجتماعية التي ترفض كل سياسة إبداعية أو رؤية خلَّاقة أو فكرة نوعية تتبناها الحكومات حال التنمية والتطوير وحال النقلات النوعية؛ لكونها لم تعتد التغييرات الجذرية والنقلات النوعية الخارجة عن المعتاد المألوف، ولأن المجتمعات الإنسانية في استطاعتها تلقَّي المثاليات في فضاءات مثالية لا تتصل بالواقع، وفي استطاعتها أيضا تلقَّي الواقعية في فضاءات واقعية لا تتصل بالمثالية ولا بسماتها ولا مبادئها الظاهرة والمضمرة؛ ظل الإسلام في مرحلته المدنية يؤسس رسالته الخالدة على دمج المثالية النظرية التي تلقاها المسلمون إبان المرحلة المكية بالواقعية الملازمة للحياة الدنيا والمتأصلة في خلق الإنسان؛ خشية الإزدواجية؛ فكانت وسطية الإسلام وخيرية الأمة المحمدية نتيجة هذا الاندماج المنسجم المتوائم بين المثالية والواقع.