لا نزال مع المستشرق الهولندي مارسيل أو (مرسال الشمري) في كتابه البدوي الأخير وجولته من أجل الشعر والشعراء في الوادي مع مرافقه عبدالله الذي كرر القول إنه بدلا من صيد الغزلان وغرامياته في الصحراء وجد نفسه يحمل رسالة أخرى كمؤرخ وداعية لثقافة الوادي، ولكنه ما لبث أن اكتشف أن الطريق محفوف بالعقبات والمنزلقات فكل من يدعي التزامه بالصالح العام يكون على الفور موضع شك بين افراد القبيلة. فهم يعرفون أن المصلحة الذاتية كثيرا ما تكون مقنّعة بإعلانات طنانة ويفضلون أن يجدعوا أذناً على أن يمدوا يد العون لفرد آخر من القبيلة يثير شكوكهم بعد ما أكد له عبدالله أن القصائد يمكن أن تشترى بثمن في سائر أنحاء الجزيرة العربية. ويذهب الاعتقاد الشعبي السائد إلى أن جامعي أشعار كثيرين يبيعون كنزهم من الأبيات والقصائد مقابل أسعار باهظة في مراكز المال وبورصة الشعر في الخليج، ولهذا فإن وجود أجنبي قادم من هولندا لم يأتِ إلا بحثا عن شعراء بارزين.. وهذا ما يؤكد على أنه حتى الدول المسيحية والغربية المقيتة ترسل الآن عملاء لاستغلال هذه السوق المربحة. ويمضي إلى أن مرافقه عبدالله شكا له من أن عائلات عديدة في بلدته ومن أبناء قبيلته رفضت التعاون معه لأنها تعتقد أنه يمول بناء بيته الجديد بعائدات القصائد في حين أنه لم يقبض قرشا واحدا حتى الآن مقابل قصائده من انطلوجيا شعراء القبيلة. مضيفا في هذا السياق قوله: لذا كان ظهوري في البلدة أكثر من موضع ترحيب. حيث كان قد روج في الخارج أني في مهمة رسمية ليكون على عاتق كل واحد واجب وطني في منحي فرصة الاطلاع على كنزه من القصائد الشعرية. وكانت لدى عبدالله بوصفه الدليل الرسمي، ذريعة لدخول بيت أي فرد من أفراد قبيلته في أعقابي. وكان أقل ما ينتظره مقابل خدماته من أجل الآخرين، أن أعطيه نسخة من الأشرطة بعد الانتهاء من جولاتنا، حيث يطمح في جمع مطبوعة القادم منها لإقناع النخبة في العاصمة بالمساهمة التي يمكن أن يقدمها الجنوبيون المنسيون في النتاج الثقافي الوطني. لذا كانت مصالح الاثنين كما قال تمضي متساوية في ذلك الوقت. وهكذا توصلوا حسب مارسيل إلى تفاهم أخوي. على مقعد سيارة البك أب المضعضعة من طراز تويوتا التي وضعها رئيس البلدة في خدمة وتصرف الباحث الهولندي. فانطلقا مخضوضين على طريق الوادي الترابية إلى القرى التي توطنت فيها عشائر وقبائل مختلفة وفي فيلاتها المبنية بناء بدائيا من الإسمنت. كانت تداري تحملاتها وأحساسها بالحق في القصائد التي نقلتها إليها أجيال فاضلة من قبلها تحت قناعة (صلب جدي) كما يقول البدو عن أنفسهم لأنهم يعتقدون كما يقول إن البذرة التي تأتي منها الذرية محفوظة في صلب الرجل. ويختتم الهولندي مارسيل هذه اليومية مشيرا إلى أن من أول ناقلي (رواة) الشعر التقليدي الذين وقعت عليهم الأنظار الشيخ ابن هدلا إذ بدا البطريريك النحيل كما وصفه (مصطلح يعني الأب الرئيس) عجوزا بما فيه الكفاية وهو من شهد دخول المستشرق البريطاني عبدالله فيلبي عام 1918م عبر أسواق اللدام وله ضلع في التآمر على تحجيم هذا الغربي المتطفل كما وصفه.. كان ابن هدلا أحد مقاتلي (إخوان من طاع الله) المتشددين وهو ما يعرفه مارسيل لكنه كان يأمل أن يكون مرور الزمن وتقدم الحضارة (في بداية عهد الملك فهد) أوجد قدرا أكبر من الانفتاح في الفكر الديني من هنا توجه بآمال عريضة عقدها على الحكايات التي كان موعودا بها مع عبدالله لحضور اجتماع جمع من أحفاد بطل الحرب هذا. ولكن أول سؤال طرحه ابن هدلا كان (ما هو دينك) .. مسيحي أجاب مارسيل دون أن يكون صادقا.. (ليس) هناك أخذ وعطاء مع الكفار هكذا تمتم الشيخ والتزم ما تبقى من المساء مبديا صمتا عنيدا. الإنجليزي عبدالله فيلبي مارسيل مشاركة في ليالي الشعر النبطي