اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    استشهاد أربعة فلسطينيين في غارة إسرائيلية على منزل وسط قطاع غزة    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    سفارة السعودية بواشنطن تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    ثمار الاستدامة المالية    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    النصر يُعلن عن تفاصيل إصابة عبدالله الخيبري    موعد مباراة السعودية والبحرين.. والقنوات الناقلة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    ضبط (20159) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    لمحات من حروب الإسلام    الإستثمار في الفرد والمجتمع والوطن    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    طريقة عمل شوربة البصل الفرنسية    حرس الحدود بعسير ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهم البحرية في في عرض البحر    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    القبض على شخص في الرياض لترويجه المخدرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    تأجيل اختبارات منتصف الفصل الثاني للأسبوع القادم    محمد آل فلان في ذمة الله    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    أمطار خفيفة على جازان وعسير والباحة    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منصات التواصل.. عيادات استشارية دون رقابة
نشر في الرياض يوم 06 - 02 - 2024

رغم أن العلاج النفسي والاجتماعي "مهنة علمية وعملية ترتكز على معرفة ومهارة وقيم أخلاقية وتمارس من خلال تراخيص مهنية صادرة من جهات معتمدة"، إلا أنها انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الاستشارات النفسية والاجتماعية وحتى الأسرية "الافتراضية" التي يقوم عليها بعض من المستشارين دون رقابة أو حتى مساءلة، حتى تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى عيادات مصغرة متاحة للجميع في مختلف الأوقات.
هذا الانتشار صاحبه العديد من التحذيرات والتهديدات والمخاطر التي قد تصل إلى اختراق الخصوصية وإعطاء استشارات خاطئة قد تؤثر سلباً على صحة الأفراد النفسية والأسرية ومن الممكن أن تؤدي إلى تشتت الأسر.
وإيمانًا بالدور التوعوي المنوط بجريدة الرياض، عُقدت، مؤخرًا، ندوة ناقشت هذا الموضوع من عدّة زوايا (نفسية واجتماعية وقانونية، بمشاركة كل من استشاري في الطب النفسي الدكتور جمال الطويرقي، وأستاذ علم النفس الإكلينيكي الدكتور إبراهيم الحكمي، والكاتب الاجتماعي الأستاذ منصور الضبعان، والمحامي الأستاذ خالد اليوسف، والمستشارة الأسرية الأستاذة مها القطان.
وحضر الندوة من جريدة الرياض، رئيس التحرير أ. هاني وفا، ومديرو التحرير أ. خالد الربيش، وأ. صالح الحماد، ورئيس القسم الرياضي، أ. سليمان العساف، والزملاء من التحرير الأستاذ عبدالعزيز الشهري، وأ. ناصر العماش، وأ. صالحة العتيبي.
وفي بداية الندوة، رحب رئيس التحرير بضيوفها، مؤكدًا على أهمية هذه الندوة كونها تناقش موضوعاً مهماً وهو استخدام منصات التواصل الاجتماعي في الاستشارات الطبية والنفسية، والذي قد يكون سلاحاً ذا حدين، مشيرًا إلى أن هذه الندوة تهدف لبحث مدى انتشار هذه الظاهرة محلياً وعالمياً، إضافة إلى التوعية بآثارها السلبية على المريض النفسي، ومحاولة إيجاد حلول للحد من انتشارها في مجتمعنا المحلي.
الاستشارات والنصائح النفسية الأسرية.. تنتشر في مواقع التواصل دون حسيب ورقيب
تاريخ الاستشارات الافتراضية
وفي بداية الندوة، تحدث د. الطويرقي عن تاريخ الاستشارات الطبية النفسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، موضحًا بأنها ذات إشكالات كبيرة، وهي تعود إلى العام 1994، حين استخدم هذا النوع من الاستشارات لأول مرة وكان يسمى بالخط الأحمر، وقد كان هناك إساءة استخدام من الطرفين (المستشار والمريض)، فالمريض النفسي كان يُسْتغل من قِبل المستشار والذي قد يكون غير مؤهل ليعطي الاستشارات الطبية، كما أن المريض نفسه قد يكون لديه نوع من أنواع الاضطراب الذي يستغله في الاستعطاف.
وتابع الطويرقي: أن تناول الأمور المتعلقة بالطب النفسي عبر الهاتف أو الإنترنت، يؤدي للتشخيص الخاطئ، كما أن التحقق من أهلية الشخص المستشار وما إن كانت لديه رخصة تخوله للعمل في هذا المجال أم لا من الأمور الصعبة، وقد تحدث مخالفات عديدة غير أخلاقية، كأن يطغى التكسب المادي على المعالجة الحقيقية، خاصة في ظل عدم وجود ما يثبت ما يتم تناوله من قبل الطرفين، الأمر الذي يؤدي إلى إفلاتهما من العقاب القانوني.
المساحات الافتراضية
وعلق د. الحكمي: أرى أن الإشكالية تكمن في الخلط بين مسمى العلاج النفسي والاستشارات النفسية، فالعلاج النفسي أمر يختلف تماماً عما يقوم به الأشخاص في الاستشارات، وقد لاحظت وجود مساحات في وسائل التواصل الاجتماعي تدعي بأنها تقوم بالعلاج النفسي، إلا أن العلاج النفسي عملية معقدة لا بد فيه من دراسة الحالة واستخدام المقاييس النفسية والجلوس مع المراجع وجهاً لوجه، وحسب المدارس العلاجية فإن أقلها يلزم بثماني جلسات حتى يمكن أن يطبق العلاج النفسي، بينما ما يقوم به أولئك فإنه لا يعدو عن كونه نصحا وتوجيها، وهذا لا يعد علاجاً نفسياً.
وحسب الدراسات والأبحاث فإن إعطاء النصيحة من المختص النفسي يعد أقل الدرجات الفاعلة في العلاج النفسي، لذلك لا يوجد اختصاصي نفسي يقدم نصيحة لشخص من الأشخاص، أما إذا كان يقصد بالاستشارات النفسية العلاج النفسي ذاته، فهو بهذه الطريقة يعتبر خاطئ وقد يؤذي المراجع بشكل أكبر.
هيئة التخصصات الصحية لا تعطي لقب مستشار واللقب يستخدم للتحايل
دفعًا للحرج
وقال الحكمي: أتفهم توجه الناس للعلاج النفسي عن بعد تجنباً منهم الجلوس مع الاختصاصي النفسي والحديث معه في أمور قد تكون حساسة؛ لذا فالمراجع يرى في الاستشارات عبر التواصل الاجتماعي دفعاً للحرج وتجنبا للخجل، إلا أنه في الوقت نفسه لا توجد لدينا أخلاقيات مهنة في عملية العلاج النفسي عن بعد، رغم أنه في مختلف دول العالم توجد أخلاقيات للمهنة تضبط العلاج النفسي عن بعد، ومن خلالها يحفظ حق الطرف المتعالج.
كذلك فإن العلاج النفسي عملية تشاركية، تقوم على الخطة العلاجية التي توضع بتفاهم الطرفين (المعالج والمراجع)؛ لذا لا يمكن علاج حالة عن طريق الحديث بدقيقة أو دقيقتين دون فهم بيئته وظروفه وطرق تعامله مع المشكلات التي يمر بها.
فاعتقد أنه آن الأوان لوضع أخلاقيات لمهنة العلاج النفسي عن بعد يحفظ من خلالها على حقوق الأطراف، وذلك عبر عقد موقع من قبلهم يوضح فيه طريقة العلاج والجلسات العلاجية والأهداف المرجوة من الخطة العلاجية.
مساحات تشخيصية
وتابع حكمي: ولو نظرنا إلى جميع المساحات التي ذكرت وكذلك الاستشارات الكتابية، فإنه لا يوجد فيها اتفاق على الهدف العلاجي، لذا يمكن وصف تلك المساحات بأنها تشخيصية فحسب وتتم بذكر الأعراض التي يعاني منها المراجع، من ثم يسمى المعالج الاضطراب النفسي الذي يعاني منه المراجع، ومعرفة المعالج للاضطراب النفسي لا تعني معرفة الأسباب التي أدت إليه والعوامل والصدمات النفسية التي تعرض لها المراجع، فهذه أمور يدرسها الاختصاصي النفسي بشكل عميق حتى يتمكن من معرفة سبب ظهورها، كذلك فإن هذه المساحات تفتقر إلى عدم وجود خطة علاجية وهدف علاجي متفق عليهما مع المراجع، لذا لا تعدو عن كونها عملية تشخيصية ليس لها هدف أو أي شيء نقيس به صحتها أو خطأها.
مشهد درامي
وقال أ. منصور، أعتقد أننا أمام مشهد درامي للواقع المعيش من مصدر ومتلقي ومسؤول، ويهمنا في هذا المشهد التركيز على المسؤول بجناحيه القانوني والتوعوي.
أما القانوني فإننا نجد الجهات المعنية تقوم بجهود جبارة في الآونة الأخيرة للحد من هذه الموجة الضارة في السوشال ميديا، من خلال استحداث قوانين جديدة للحد من تفشي ظاهرة الاستشارات بشكل عام وليس الاستشارات النفسية والأسرية فقط وبالنسبة لمصدر الاستشارة من المختصين بالأمور النفسية والاجتماعية والمتلقي، فإن الاستشارة السليمة تلزم زيارة المتلقي للاستشارة المختص ومن ثم يمكن التواصل معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتجنب خطورة أخذ الاستشارة من غير مختصين على تلك المواقع.
الاستشارات الافتراضية.. التكسب المادي يطغى على المعالجة الحقيقية
وهناك تقرير لتشيرتي آر إكس يبين أن الجيل الحالي يعتمد حتى في استشارته الطبية على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وبالتالي يحتمل أن تؤخذ المعلومات من غير مصادرها المعتمدة وهذه معضلة خطيرة جداً، ولمواجهتها لا بد من التوعية التي تقوم مسؤوليتها على المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام الرسمية وهذه الأخيرة لها دور توعوي مهم في كشف الخلل للجهات القانونية بالإضافة إلى دورها في إبراز المختصين والكفاءات والقدوات وإهمال المتطفلين في السوشال ميديا.
الاستشارة مسؤولية وخيانتها جريمة
وحول رأي القانون في مثل هذه الاستشارات قال المحامي اليوسف: تعد خيانة الأمانة من الجرائم الإنسانية الممقوتة على مر العصور، وتقديم الرأي هو من قبيل أداء الأمانة سواء كان في المهن الصحية أو في المهن المدنية كالمحاماة والهندسة وغيرهما، وذلك لأن المستشار مؤتمن.
وبالتالي وقع على عاتق الدولة -أيدها الله- أن تحمي المتعاملين مع تلك الاستشارات ومن يقدمها بوضع التنظيمات والاشتراطات اللازمة والترخيص الذي يعني اعتراف الجهة المشرفة بأهلية الممتهن أو الممارس، وحمت المتعاملين بأن تصدّت لانتحال صفاتهم وجعلت منه عملاً مجرماً قانوناً ويستحق العقوبة الجزائية وليست التأديبية، ومنها الاستشارات الاجتماعية والنفسية التي تخضع لأنظمة تنظمها، ففي نظام مزاولة المهن الصحية نصت المادة الأولى على أن الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين الذين يقدمون هذه الاستشارات هم من يشملهم هذا النظام وأحكامه، وجاء النص فيه على عدة حالات منها ما هو مجرم كانتحال صفة (مستشار اجتماعي أو نفسي) أو تقديم (الاستشارة الاجتماعية أو النفسية) دون الحصول على ترخيص من الوزارة.كما أن وقوع التعديات عبر وسائل التواصل الاجتماعية يفرض طوق أمانٍ جديدا يتمثل في الرقابة على حماية أمن المجتمع الفكري ومحاربة المعلومات المغلوطة ونشر الإشاعات واستخدام الطرق المخالفة للشريعة الإسلامية والأنظمة والمعايير العلمية
عبر منظومةٍ متكاملة من جهات التنظيم، والرقابة، والجهات الأمنية، والقضائية.
ولكن الزخم الهائل لانتشار الممارسات المخالفة خصوصاً في فضاء وسائل التواصل الاجتماعية المتنوعة والمنتشرة؛ ساهم في الإحساس ببساطة الأمر لدى بعض المنتحلين ومن يتعامل معهم، بينما في الحقيقة أنهم إن نجو بفعلتهم يوماً فلن تكون سلامتهم مضمونة دوماً، بل على العكس تماماً.
ولكن يجدر التنبيه إلى أن المنظم لم يغفل عن مواءمة الخطأ والعقوبة، فليس كل مخالفةٍ للنظام ترتقي للتجريم والعقوبة الجزائية، بل ثمة مرتبةٌ أقل منها في الجسامة والأثر والعقوبة وهي المخالفات، فقد نص نظام المهن الصحية على العديد من المخالفات التي تعتبر مستحقةً لإيقاع الجزاء التأديبي عبر اللجان المختصة، وحتى نحصر ولا نتوسع بالتجريم يمكننا القول: إن كل من ادعى أنه مرخص في تقديم الاستشارات النفسية والاجتماعية أو أوهم الغير بذلك، فإنه يدخل تحت طائلة التجريم ويعاقب بعقوبة وفق النظام تصل إلى ستة أشهر وغرامة تصل إلى مئة ألف ريال وفقاً للمادة 28 من نظام مزاولة المهن الصحية، أما غيرها من الاستشارات مثل من يعالج بقراءة الخط أو من يعالج بالطاقة، أو يقوم بالعلاج النفسي دون معايير علمية معتمدة فتعد مخالفةً لصريح النظام تستوجب العقوبة التأديبية مالم ينطبق عليها نصٌّ يجرّمها.
تأمين قاعدة بيانات مفتوحة للمتعاملين يسهم في حماية المهنة
معايير فنية
وأشار اليوسف: إن الاستشارة عبارة عمل فني، وليست مجرد أسئلة وردود عليها؛ لأن الأخيرة تعد ثقافة وليست استشارة، وبالإمكان تسميتها نصائح أو تجارب شخصية، والإشكالية تكون في الانتقال من تقديم النصيحة إلى تقديم الاستشارة، إذ أن الاستشارة تقوم على عدة ضوابط علمية ومعرفية وأخلاقية لابد أن تجتمع أولا في المستشار وفي عملية الاستشارة ذاتها، ومن ثم يمكن تسميتها "استشارة" وفق المعايير الفنية، ومع ذلك؛ فمن خرج على وسائل التواصل الاجتماعي وادعى أنه يقدم الاستشارة وإن لم تكن على شكل استشارةً بمفهومها الفني، فإنه يُسائل باعتبارها كذلك وباعتباره قد نصّب نفسه "مستشاراً" دون مستندٍ نظامي، وأحياناً بمخالفةٍ له.
من هنا تبدأ المشكلة
من جانبها أكدت أ. القطان على أهمية الكفاءة المهنية والخبرة، من حيث التخصص العلمي والتدريب العملي والالتزام بأخلاقيات المهنة ووجود ترخيص من جهة معتمدة مثل هيئة التخصصات الصحية أو وزارة التنمية الاجتماعية أو الجمعيات المهنية التي تعمل تحت مظلة الجامعات، كما يجب أن تُحدّث بشكل دوري وبعدد ساعات مُلزمة لمن يرغب العمل في مجال الاستشارات، فمؤخراً أصبح خريجو التسويق والإدارة والدراسات الاسلامية وبعض التربويين وغيرهم يمارسون العمل الاجتماعي بدون أي خلفية علمية ولا مهنية، وهذا النوع لا يعرف أساسيات المهنة، ولا يفرق بين دراسة الحالة والبحث الاجتماعي في تقديم الخدمة أو تحويل المسترشدين للجهات المعنية بمساعدتهم سواء من أجل الحصول على مساعدات عينية أو نقدية أو تحويل للضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعداتها لذوي الفئات الخاصة لصرف أجهزة تعويضية أو دفع أجرة منزل وغيرها. فالاستشارات الاجتماعية مجالها واسع ومتنوع وتحتاج لوضع خطة لمتابعة تطور الحالة ومدى استفادتها من الخدمات التي قُدمت لها إلى أن يتم إغلاق الحالة، وعلى سبيل المثال في مجال العنف الأسري على الاختصاصي الاجتماعي أن يضع خطة شاملة وأن يعمل دراسة حالة وافية تشمل تقارير صحية ونفسية ومتابعة اجتماعية دورية.
وبالنسبة للأطفال، لا بد أن تكون دراسة الحالة وفق شروط محددة فلا يمكن أن يتم التحقيق مع طفل/ة بدون وجود ودعم من الاختصاصي الاجتماعي المتابع للحالة، فالاستشارات الاجتماعية تحتاج إلى جلسات ومشاهدة، وأن يكون المتخصص في مكان مهيأ لمقابلة المسترشد، من أجل أخذ أقوال الطفل ويكون ذلك عبر شاشة أو غرف فيها زجاج مرئي من الطرفين والحوار مسجل وموثق.
مخالف للمنهج العلمي
وقالت القطان: أما بخصوص الاستشارات الأسرية والاجتماعية التي تتم عبر الاتصال الهاتفي أو الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؛ فهذا مخالف للمنهج العلمي واستهانة بالمهنة، وهي من باب التكسب المادي وعلى سبيل المثال ما ظهر لنا مؤخراً مثل (دورات مدربي الحياة وكوتش اكتشاف الذات وجلسات المعالجة بتنظيف الطاقة الجسدية عن طريق الشاكرات، وارسال النوايا وغيرها) ، فمثل هذه الممارسات غالباً لا تكون مرخصة كما لا يوجد جهة تمنح تراخيص لمزاولتها فقد يصل بعضها إلى مخالفات تمس ديننا، وقد تسبب مشكلات نفسية لأولئك الأشخاص المتلقين لتلك الدورات.
وعقبت القطان على أن منصات التواصل الاجتماعي على الرغم من إيجابياتها، لكنها بعضها له تأثير سلبي على الفكر الجمعي وعلى تغيير ثقافة وسلوك الناس وتوجههم الاجتماعي والفكري وتغيير منظومة القيم في المجتمع، فمثلاً موضوع التحليل النفسي المبني على الأبراج أو تحليل الشخصية من ملامح الوجه أو التخلص من الكارما وغيرها من أمور انتشرت كثيراً على منصات التواصل الاجتماعي.
مطالبات بتشديد الرقابة على ممارسي الاستشارات النفسية والأسرية الإفتراضية
جهة رقابية
وقال د. الطويرقي: في عام 1995 عندما أسست الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ومن ثم الطب النفسي والعيادة الإكلينيكية النفسية، لم يكن هناك وقتها حاجة لوجود قانون تجريم بخصوص الاستشارات النفسية؛ لعدم وجود معالج أو طبيب يمكن أن يسيء للمريض، وهذا مبني على حسن الظن بهم؛ فالهيئة تعطي المعالج رخصة في مباشرة اختصاصه بعد التأكد منها والتثبت من أخلاقياته والشروط التي تحكم مهنته.
كذلك فإن المخالفات التي كانت تحصل في تلك الفترة ولغاية العام 2004 كنا نطالب لمعالجتها بإنشاء جهة قانونية تختص بتلك المخالفات، وقوانين يتم بناء عليها محاسبة المختص، أو المعالج، وما نراه في هذه الأيام من تجمع لبعض الأفراد وإنشاء موقع للاستشارات، هذا مخيف ولا بد من النظر فيه؛ لأن هذه المواقع تغري المعالجين مادياً لتتحول العملية إلى تجارية، وهذا ما دفع الحكومتين في أميركا وكندا إلى فرض تسجيل جلسات المعالجة لتكسب كلتاهما أيضاً من الضريبة التي تفرض على دخول تلك المواقع، وهنا نلحظ إشكالية أخلاقية وهي هل يسمح للمعالج تسجيل وإفشاء سر مراجعيه للغير، أما على الصعيد الخليجي فإن الدول الخليجية ذات تعداد سكاني قليل ويكثر فيها المعالجون الأجانب الذين يمارسون الاستشارات وفق النمط التجاري، بينما المملكة العربية السعودية فيها -ولله الحمد- عدد كبير من المعالجين من أبنائها الذين يعملون وفق أخلاقيات المهنة.
وبالنسبة للقوانين الناظمة لهذه الاستشارات فلا أعتقد أنها تدخل ضمن القوانين الجنائية، فليست تلك الأخطاء بجرائم، وإنما تكون قوانين تنظيمية لأداء عمل المعالجة وفق الأسلوب الصحيح فيكون النظام موحداً لعمل المعالجين.
أكثر من 20 جمعية في المجال؛ لا تقوم بعملها على أكمل وجه!
صوت وصورة
وتداخل أ. هاني قائلاً: حسب ما اطلعت عليه من الاشتراطات المطلوبة في جلسة المعالجة النفسية أن تكون مسجلة صوتاً وصورة، إلا أننا لا نرى تنفيذ هذا الاشتراط كثيرًا؟ فهل الجهة المنظمة تتابع تطبيق هذه الاشتراطات؟
* أجاب د. الطويرقي: هذا السؤال صعب الإجابة عنه، فالعمل في متابعة هذه الاشتراطات منوط بوزارة الصحة، لكن هل لديها الإمكانية في ملاحقة كل ممارس وطبيب وتطبيقه للاشتراطات؟ فالوزارة لديها الكثير من الأمور التشغيلية لكنها تفتقد إلى الأمور التنفيذية وهذه إشكالية.
وقال الطويرقي: إن عمل وزارة الصحة شبيه بدائرة المرور في منح الرخص وبيان الشروط والأحكام لكنها لا تعطي الشخص سيارة ليقودها؛ لذا فالتوجه الحالي للدولة هو إيقاف وزارة الصحة وإحلال التأمينات الصحية بديلاً لها، وستصبح الهيئة السعودية للتخصصات الصحية المشرفة على العمل الصحي، والتأمينات الصحية المسؤولة عن تنفيذ القوانين، وقانون الطب الشرعي مهيأ للعمل به في المحاكم.
عدم وجود جهة رقابية
رد أ. هاني: هل هذا يعني أن التجاوزات الصحية في مواقع التواصل الاجتماعي لا يوجد جهة رقابية لها الحق في استدعاء المخالف والتحقيق معه خاصة أنها هذه المعالجات قد يكون لها انعكاس سلبي على الحالة يؤدي إلى انتكاسها ؟
أجاب د. الطويرقي، هذه حقاً مشكلة، وسأضرب مثالاً شبيهاً بهذه المشكلة، حيث كنا نعاني منها سابقاً ألا وهي الوصفات الطبية والجرعات التي تسجل للمريض، فقد كان بعض المرضى يأخذ الدواء من الصيدلية من غير وصفة طبية مسجلة مما كان يؤدي إلى وجود أخطاء في صرف الدواء أو جرعاته لكنها عولجت -ولله الحمد- بأن صار الدواء لا يصرف إلى وفق سجل طبي إلكتروني مقيد برقم هوية الشخص، فيعرف ما الوصفة المسجلة وعدد الجرعات وهكذا، إضافة إلى العقوبات على مخالفة هذه القوانين سواء من قبل المواطن أو المقيم.
أما موضوع الاستشارات والتجاوزات التي ترتكب فهذه كما ذكرت مشكلة تستوجب الحل وهذا ما يعرفه المستغلون لهذه النقطة من رجال أعمال أو ممن يخوضون هذا المجال من غير المختصين ويمتلكون براعة في الكلام تخدع المتعالج فيستفيدون من ذلك ماديًا دون مراعاة الحالة والتأثير عليها سلبًا، والحقيقة أن المراقبة من قبل الوزارة ضعيفة.
فوضى عارمة
وتداخل أ. الربيش قائلاً: لا شك أن الفوضى الحاصلة على مواقع التواصل الاجتماعي هي امتداد لما كان عليه سابقا في الإذاعة والتلفاز من خلال برامج حققت (نجاحات كبيرة) كما هي امتداد لما يسمى بالطب الشعبي او العلاج بالطب البديل.
أما سؤالي فهو للأستاذ خالد هل يوجد تشريع واضح يجرم من يمارس هذا العمل سواء كان استشارة أم علاجاً؟ وهل يوجد حوكمة وتنظيم واضح لهذا الجانب؟ وهل الصحة تبادر بتجريم هؤلاء الشخص؟
أجاب أ. اليوسف، في البداية أود توضيح رؤية المنظم لهذا العمل، فهي تتم من خلال تمييز الممارس المتخصص عن غيره ابتداءً؛ حتى يتبين للناس من يتوافق مع المعايير التي ارتضتها الحكومة للقيام بهذه المهنة، ومن كان مؤهلاً فإنه يعلم أن المنظم كما أسلفنا قد وضع ضوابط تتعلق بالطرق العلاجية المعتمدة ولطرق تقديمها وللمحاذير المحيطة بمقدمها وبالأخلاقيات التي يجب مراعاتها، وتقوم الجهات الإشرافية على الممارس الصحي بأدوار الاعتماد والإشراف والرقابة والرصد وتلقي البلاغات وتطبيق النظام على المخالفين.
التخصصات المرخصة
وتداخل د. الحكمي: لو تحدثنا عن تخصصات علم النفس، فإن هيئة التخصصات الصحية لا تعطي لقب مستشار لديها، لذا فإن هذا اللقب يستخدم للتحايل وإعطاء صفة لذلك الشخص بأنه متمكن في مجاله ومؤهل لتقديم الخدمة اللازمة للعلاج.
أما وزارة الصحة فمعروف فيها التخصصات المرخص لديها من اختصاصي نفسي مساعد واختصاصي نفسي واختصاصي نفسي أول واستشاري نفسي، بينما نجد أولئك يستخدمون لقب مستشار لأنه لا يترتب عليه مشكلة قانونية فهو يوحي بوجود خبرة طويلة رغم كونه قد لا يملك شهادات مهنية ولا تخصصاً دقيقاً في مجاله، بل كل ما يمكنه هو تقديم خدمات يطلبها الناس باعتقادهم أن الاستشارة النفسية هي ذاتها العلاج النفسي، فالاستشارة النفسية لا تعدو عن كونها توجيه للشخص إلى المكان والجهة المناسبة للحصول على العلاج النفسي، وأما العلاج النفسي لا بد فيه من دراسة للحالة قد تستغرق 3 أو 4 جلسات حتى يتوصل إلى خطة علاجية لذلك المراجع.
حيرة المتعاملين
وقال اليوسف: إن مشكلة الاستشارات موجودة في كل المجالات ووجودها يعود لتداخلها وقلة رصدها والذي لا يتناسب مع حجم الزخم الموجود في وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى وجود عدة تحديات من ضمنها صعوبة وصول المعلومة عن الشخص ومعرفة كونه مرخصاً له أم لا؟ وأين يمكن للمتعامل التأكد من أهلية مقدم الاستشارة.
قاعدة بيانات
وعن وجود قاعدة بيانات لجميع العاملين في المجال الصحي، قال اليوسف، من شأن ذلك تسهيل عملية التبليغ والقضاء على الدخلاء على هذا المجال، وفي أخذ وزارة الصحة أو هيئة التخصصات الصحية على عاتقها تأمين قاعدة بيانات مفتوحة للمتعاملين مساعدةٌ في التثبت من أهلية المستشار أو المعالج وتعزيز لمبدأ الشفافية والنزاهة وحماية المهن الواقعة تحت إشرافها، كما تساهم في تحقق حماية تلك المهن العظيمة من الصعود على أسوارها بدواعي الشهرة وجلب الأنظار والكسب غير المشروع.
لذا أقول: لا بد من التوعية بهذا الأمر وتثقيف المتعاملين عن الآلية المعتمدة للإبلاغ عن أي مخالفةٍ أو جريمةٍ في حق تلك المهن، كالتبليغ على منتحلي صفة الاستشارات النفسية والاجتماعية.
الملاحقة الجزائية
وأردف اليوسف قائلاً، من هنا يأتي اكتشاف طرق الجريمة، فالنيابة لها دور في الرصد، فمن يتعدى على اي نظام فيه عقوبات جزائية فهو يقع ضمن اختصاص النيابة في رصده ومتابعته، وأحيانا يضاف هذا الدور إلى بعض الجهات التي تشرف على الممارس مثل وزارة الصحة والهيئة السعودية للتخصصات الطبية، حيث إن لديهم فرق مختصة لرصد التعديات على المهن الصحية أو على ممارسيها ولها سلطة الرفع المباشر للنيابة العامة وتحريك الدعوى الجزائية، ولكني أشير الى أنه في مختلف أنحاء العالم، جلّ من يقوم بعملية رصد مثل تلك التعديات هم المتعاملون أنفسهم، فحينما يرون مخالفة من قبل منتحل أو ممارس صحي وانطلاقاً من وعيهم وحسهم الوطني يقومون بإبلاغ الجهات المشرفة وفي هذه الحالة تقوم بدورها في الرفع إلى الجهة المختصة.
المسؤولية التأديبية
وأما عن المستشارين المرخصين قال اليوسف، هم مضبوطون بنظام مزاولة المهن الصحية، وثمة ضوابط فنية وأخلاقية وبروتوكولية وفق المعايير والمناهج المستند عليها، فان قصّر بشيء منها -ما لم يكن نتيجة تعدٍّ أو إهمالٍ متعمد- فإنه حينها لا يدخل في دائرة التجريم لأنه أخطأ في تقديم جودة الخدمة وفي هذه الحالة يعاقب بعقوبات تأديبية وتسمى بالعقوبات الإدارية وهذه من اختصاص وزارة الصحة ولجانها المختصة.
جمعيات مهنية
كما وجه الربيش سؤال آخر للدكتور إبراهيم.. "هل هنالك جمعيات مهنية أو جمعيات إصلاحية في المجال النفسي؛ لتوعية المستهدفين فهل هناك جمعيات تتولى هذا الجانب؟ وهل هناك تشجيع من قبل وزارة الصحة لها"؟
أجاب الحكمي، يوجد أكثر من عشرين جمعية لكن أتفق أن هذه الجمعيات لا تقوم بعملها على أكمل وجه، حيث ينحصر عملها في إقامة المؤتمرات الموجهة للمختصين النفسيين وليست للمراجعين ومريدي العلاج النفسي، كما يوجد لدينا مركز تعزيز الصحة النفسية، والذي أعتقد أنه ما زال متأخراً في كيفية عرض التوعية للناس، فهو على الطرق التقليدية من بروشورات ومؤتمرات التي لا يهتم بها عامة الناس.
وأود الإشارة إلى وجود تناقض لدينا كمختصين نفسيين ولا أقصد هذا الأطباء النفسيين حيث إن أحد أخلاقيات المهنة لدينا توجه إلى عدم التواصل مع المراجع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف للمختص النفسي أن يوافق بين مراجع يأتي إلى العيادة ومن ثم يتواصل معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي يمكنه من خلالها تقديم بعض تكنيكات الاسترخاء عبر نصائح عامة وأرجع سبب هو هذه الإشكالية إلى عدم وجود قانون أخلاقي يعرف من خلاله حدود التعامل في وسائل التواصل الاجتماعي .
فكلنا عند حصولنا على رخصة التخصصات الصحية لم توقعنا الهيئة على قوانين تنظم التعامل في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لذلك فإن من يسمي نفسه «مستشاراً نفسياً» ولديه رخصة من هيئة التخصصات الصحية يعلمون بعدم وجود رادع قانوني واخلاقي لكيفية التعامل مع المراجع في وسائل التواصل الاجتماعي.
ميثاق أخلاقي
وعلّق اليوسف قائلاً: رداً على نقطة وجود ميثاق أخلاقي للممارسين الصحيين، فقد اطلعت على دليل ممارسة المهن الصحية، ويحوي العديد من الإرشادات المكملة للنظام، وفي تفعيلها والرقابة على الالزام بتطبيقها حمايةٌ للممارس وللمتعامل وارتقاءٌ بالحس المجتمعي العام.
دليل الممارسة
من جانبه أكد د. الحكمي أن هناك جزءا من الإلزام في الدليل يتضمن إيقاف الطبيب عند تجاوزه حدوداً معينة، كمن يمارس المهنة من غير رخصة فهذا يتم إيقافه، وأوافق الأستاذ هاني في أن القانون إن لم ينفذ ويطبق فلا قيمة له، لذا أجد أننا نواجه هذه المشكلة.
إفراغ الساحة
وقال الضبعان: أشكر الدكتور إبراهيم على إشارته إلى إفراغ الساحة من المختصين والكفاءات لصالح المتطفلين، والتي تعد من أخطر الأزمات التي ساهمت في تفشي ظاهرة الاستشارات في السوشال ميديا، فإذا كانت الجهة المسؤولة تنهى الأفراد المنتسبين إليها من التوجه إلى السوشال ميديا، فأعتقد أن ذلك بعداً عن الواقع، فالسوشال ميديا تفرض نفسها اليوم، ومن الأسباب الخطيرة أيضاً اضافة إلى غياب المختصين وقلة الوعي وارتفاع أسعارهم أو صعوبة الوصول إليهم، أولاً إهمال المعلمين للجانب التربوي في عملياتهم التعليمية، فهم يحتضنون ستة ملايين طالب وطالبة، فلو تم ضخ حزمة تربوية وتوعوية فيهم لنجت السفينة، إضافة إلى الفجوة بين الشباب والمربين سواء في المنزل أو المدرسة، فهذه الفجوة ساهمت في تفشي ظاهرة المتطفلين في السوشيال ميديا.
النظام يؤكد.. من ادعى تقديم الاستشارة فإنه يُساءل كونه نصّب نفسه «مستشاراً» دون مستندٍ نظامي
زيارات المدارس
وتداخل الزميل عبدالعزيز الشهري قائلاً: أ. منصور تطرق لإهمال المعلمين، وكأحد منتسبي التعليم أجد الكثير من المشكلات ومنها قلة زيارة المختصين في المجال النفسي من الاستشاريين والاختصاصيين للمدارس، فنحن في التعليم نلاحظ الكثير من المشكلات لدى الطلاب، كالقلق والعدوان والخوف والتأخر الدراسي والتنمر والغياب والهروب والانطواء وغيرها وللأسف لا يوجد متخصصون في المدارس لمعالجة تلك المشكلات، علماً أن التوجيه الطلابي يقوم بدوره إلا أنه محدود ولا يصل إلى المستوى المأمول، لذا أتمنى زيارات ولو كانت تطوعية من قبل المختصين في المجال النفسي من الاستشاريين، لإلقاء ندوات وبرامج وعمل دورات للمرشدين الطلابيين في المدارس حتى يستطيعوا التعامل مع هذا الكم الهائل من المشكلات، ولتقل بالتالي مسألة الاستشارات الافتراضية؛ لأن الكثير من الأسر يلاحظون على أبنائهم مشكلات فيضطرون إلى البحث عن أرخص استشاري ويتواصلون معه إلا أنهم لا يحصلون على الاستشارة الصحيحة لأن الطفل من الأساس لم يتلق التوجيه السليم من المدرسة والمختصين.
علّق الضبعان: المعلمون لهم جزيل الشكر على ما يقدمونه من الجانب التعليمي، إلا أنني أشدد على دورهم الكبير في الجانب التربوي وهذا ما أردت التأكيد عليه.
المسؤولية التقصيرية
ووجهت الزميلة صالحة سؤالاً لليوسف، حول استخدام المستشار لحسابه الشخصي في تقديم الاستشارات وتوعية المجتمع لأهداف معينة، وما الذي يحفظ حق المراجع في تلك الاستشارة في حال وقوع ضرر عليه، خاصة أن الاستشارة تتم دون وجود عقد بين الطرفين؟
كما تساءلت: كيف يمكن إقناع المجتمع بضرورة إجراء كشف سريري والذهاب إلى العيادة لأخذ الاستشارة الواقعية؟
أجاب اليوسف على السؤال الأول، إذا كان المستشار يستخدم حسابه الخاص بعيداً عن حساب المنشأة فهذا قد يجرئه على الوقوع في الخطأ أو التساهل في معايير تقديم الاستشارة، وهناك أنواع من المسؤولية في القانون، فتوجد المسؤولية الجزائية كانتحال صفة أو العمل دون رخصة كما مر معنا، والمسؤولية الإدارية أو الانضباط الوظيفي، والمسؤولية المدنية وهذه لا يمكن الإعفاء عنها، وهذه كلها مصدرها النظام، وقد خصص نظام المعاملات المدنية الجديد باباً كاملاً للفعل الضار، فإذا وقع أي فعل ضار من إنسان فعليه أن يقوم بتعويض المضرور بما يجبر هذا الضرر.
ولا يجوز الإعفاء عن هذه المسؤولية التقصيرية بل حتى لو اتفقوا على أن يعفوا بعضهم بعضاً عن هذه المسؤولية التقصيرية فإن النظام لا يسمح بذلك لأنها متعلقة بالنظام العام الذي يحفظ حدود ضرر الأشخاص ولا يسمح حتى بأن يتفق الشخص بطوعه ان يضره شخص ما ولو برضاه.
كذلك فإن المسؤولية التقصيرية ذات ثلاثة أركان وهي "الضرر أو الفعل الضار، ووقوع الضرر حقيقة، ووجود العلاقة السببية المباشرة بين الفعل الضار والضرر الذي حصل"، فإذا اكتملت الأركان الثلاثة جاز له أن يتقدم للمحكمة المختصة بطلب التعويض.
وهذه المسؤولية منصوص عليها في نظام ممارسة المهن الصحية وأسماه بالمسؤولية التقصيرية مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية أو التأديبية التي سبق ذكرها.
صعوبة التشخيص الافتراضي
وردًا على السؤال الثاني أجابت القطان، إن تقديم الاستشارة في العيادة الافتراضية يصعب التعرف على المراجع وواقعه الحقيقي، حيث يلزم لذلك فإجراء بحث اجتماعي أو دراسة حالة يجب أن يكون وجهاً لوجه، أما العيادة الافتراضية فتكون في مرحلة متقدمة للمتابعة الدورية ولظروف خاصة فقط.
مؤكدة على أن المجتمع بحاجة إلى توعية شاملة لجميع جوانب الحياة و بإشراف مهنيين ممارسين ومتخصصين في كيفية تقديم الاستشارات الحياتية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأسلوب بسيط ومرن ضمن برنامج ووفق خطة زمنية مرحلية مجدولة، مع ضرورة تحديد ممن تطلب ومتى تطلب، فالاستشارات لا تقتصر على الجانب النفسي فحسب، بل تشمل كل ما يظهر في المجتمع من تغييرات وما يتعرض له من تحديات، أما الاستشارات الفردية فمن الصعوبة تقديمها عن بعد، بل لا بد من ممارستها في عيادة لمشاهدة الحالة عياناً ودراستها وبناء على ذلك يتم وضع خطة علاجية تتضمن عدد الجلسات ثم توجيهها للجهات التي يمكن أن تقدم المساعدة لعلاج المشكلة.
قلة زيارة المختصين في المجال النفسي للمدارس ساهم في انتشار الاستشارة الافتراضية
الكشف السريري
وعلق د. الطويرقي: بالتأكيد إن مزاول المهنة الصحية لا بد لها من الكشف السريري على المريض في الواقع، أما المراجعة الافتراضية فلها استثناءات كما في حالة انتشار مرض الكورونا، فالكشف على المريض في العيادة يبدي أموراً عديدة للطبيب والمعالج تساعده في العلاج، وأضرب مثالاً توضيحياً، فأحدنا حين يريد شراء سلعة أو سيارة من على المواقع الافتراضية لا بد له من معاينتها على أرض الواقع حتى يطمئن لها، فما بالك بشيء يخص حياة الإنسان وصحته، إلا أننا نبحث عن الرخص في علاج مشكلاتها دون الحرص على مصدر العلاج وفاعليته الحقيقية، وطريقة الخلاص من هذه الحالة يكون بالتثقيف المجتمعي.
الاستشارات الافتراضية فيها استهانة بالمهنة ومخالفة للمنهج العلمي
التوصيات
* تفعيل الدور التربوي للمعلمين.
* تكثيف زيارات الاختصاصيين النفسيين للمدارس.
-تطوير التشريعات المتعلقة بنظام الاستشارات الافتراضية والتي تتوافق مع احتياج المرحلة.
-تفعيل جانب المتابعة والرقابة وتقديم المخالفين للمحاسبة.
-تعزيز دور وزارة الموارد البشرية ومجلس شؤون الأسرة في التوعية المجتمعية.
-إعداد أشخاص مهيئين لتقديم النصائح والتوجيهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
* تثقيف المجتمع من مرحلة الطفولة "اجتماعيًا ونفسيًا"؛ لخلق إنسان واع يحسن التعامل مع الحالات النفسية.
ضيوف الندوة
د. جمال الطويرقي
د. إبراهيم الحكمي
منصور الضبعان
خالد اليوسف
مها قطان
حضور الندوة
هاني وفا
خالد الربيش
صالح الحماد
سليمان العساف
عبدالعزيز الشهري
سارة القحطاني
صالحة العتيبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.