في ظل تزايد أعداد المصابين بالأمراض النفسية والاكتئاب نتيجة عدم التصريح بالمشكلة والتعامل معها بحرص من خلال استشارة الطبيب النفسي، وذلك لأسباب عديدة أهمها: الخوف من الوصمة الاجتماعية، ونظرة المجتمع، ورفض الأهل زيارة الطبيب، أو الاعتراف بوجود مريض نفسي بالأُسرة، أو لبعد العيادات النفسية وصعوبة الوصول إليها لأي سبب، وفي ظل تنوع وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون الاستشارة الهاتفية النفسية بمثابة الخروج من عنق الزجاجة وأحد الحلول المناسبة للتخلص من الأمراض النفسية نتيجة ضغوط العمل أو المشكلات الأسرية أو الحالة الاقتصادية، والذي يسمى الإرشاد النفسي الهاتفي. تشخيص وحلول وأكد د. علي زائري - استشاري الطب النفسي - أن الاستشارة النفسية الهاتفية مثلها مثل باقي الاستشارات التي يحتاج لها العائلات والأفراد بشكل عام، كالاستشارات الدينية التي تتم عبر الهاتف والتلفاز، أو الاستشارات القانونية والتي يعالجها المختصين في مجال القانون، مضيفاً أنه بالنسبة للاستشارة النفسية فالمملكة ولله الحمد متسعة المساحة الجغرافية وعدد سكانها مع المقيمين كبير، لذلك لا نستطيع تقديم الخدمة في عدد من العيادات النفسية والمحدود عددها في بعض المناطق، مع الأخذ في الاعتبار صعوبة الوصول إلى العيادات النفسية للبعض، ربما لأن المحتاج للخدمة يسكن في منطقة نائية أو بعيدة أو أن ظروفه الصحية تعيق وصوله إلى العيادة، أو تعيق خروجه من البيت، ذاكراً أن التقنية الحديثة والتطور العلمي ساعد الناس وسهّل أمور حياتهم، حيث يستطيع كل شخص من أي مكان في العالم الوصول إلى الخدمة التي يحتاجها، مشيراً إلى أن الاستشارة النفسية الهاتفية فيها الكثير من الخصوصية، حيث يستمع خلالها الطبيب النفسي للمشكلة بشكل مفصل، وإذا استطاع تشخيص الحالة يقترح الطبيب على المريض عدة حلول ويعطيه الدواء الذي يستطيع صرفه من الصيدلية دون وصفة طبية، أو أن يقدم له النصائح والتي قد تكون بعضها سلوكية. خصوصية تامة وأوضح د. زائري أن بعض الأمراض النفسية لا تحتاج إلى إجراء تحاليل وجلسات علاجية طويلة، بل في بعض الأحيان قد يكون العلاج سهلا وبسيطا، لافتاً إلى وجود دراسة حديثة أجريت بالمملكة - مؤخراً - بمدينة الرياض من قبل فريق طبي نفسي تحت إشراف د. عبدالله السبيعي - أحد أعضاء الجمعية السعودية للطب النفسي - وذلك من خلال عملية مسح شاملة لمناطق المملكة، وكانت الدراسة تحت إشراف وزارة الداخلية، وأوضحت الدراسة أن السعوديين يصابون بنسبة 34 % في حياتهم بمرض نفسي أو أكثر بمعنى كل مواطن معرض للإصابة بمرض نفسي بحوالي 34.5 % خلال حياته، وتعتبر هذه النسبة مرتفعة، لكن النتيجة الأغرب من ذلك هو وجود 95 % ممن يعانون من الاضطرابات النفسية من دون تقديم خدمة طبية لهم، في ظل وجود مستشفيات كبيرة وعيادات خاصة وحكومية، ولكن لا يحضرها سوى 5 % من هؤلاء المرضى؛ وذلك ربما بسبب صعوبة المواعيد والمعاناة التي يجدها المريض النفسي من محيطه وأهله؛ بسبب عدم اعترافهم بالمرض وتوجه المريض للشخص غير المناسب طلباً للعلاج، مثل أن يذهب للعلاج الشعبي، وكل هذه المحاولات تبدد وقت وجهد المريض دون جدوى؛ لأنه لا يحصل على تشخيص حقيقي لحالته. وبيّن أن الاستشارات الهاتفية النفسية ليست رفاهية أو من باب الكماليات، بل تعتبر أحد أهم الحلول الناجحة لمعالجة المريض النفسي، خاصةً إذا كان المريض يشعر بالخجل من مراجعة الطبيب النفسي خوفاً من كلام الناس، أو من الوصمة الاجتماعية، مع العلم أن هذا النوع من الاستشارات يمنح المريض الخصوصية التامة والراحة سواء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أو الإيميل أو الهاتف، مؤكداً على أن الطبيب لا يحتاج وجود المريض معه في العيادة إلاّ في أضيق الحدود. توعية مستمرة وقال طلال الناشري - مهتم بالصحة النفسية والاجتماعية -: إن الوصمة الاجتماعية هي سبب عزوف الكثير من المرضى من معالجة معاناتهم النفسية، والذي يعتبر لدى البعض بالأمر المعيب، متناسين أن كل شخص معرض للإصابة بالمرض النفسي نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية حتى يستطيع التغلب عليها، في الوقت الذي يخاف فيه المريض النفسي من أن يتم عزله من قبل المحيطين به، بل وقد يصل الأمر لأن تصبح رغبته في الارتباط بزوجة مستحيلة، لذلك يتجاهل علاجه، مبيناً أنه إذا نظرنا للمجتمعات الغربية سنجد أن كل من يتعرض لمشكلة مع زوجته، أو بسبب ظرف ما، لا يخجل من مراجعة العيادات النفسية ويتوجه للمختصين لتجاوز الأزمة، حيث يجد الدعم من المقربين من حوله حتى لو كان علاجه عن طريق الأدوية النفسية والتي يعتبرها البعض معيبة لها أثرها السلبي على العقل والتصرفات، ذاكراً أن المشكلة الحقيقة والتي تتفاقم مع الوقت تكمن في نظرة الأطفال للطبيب النفسي بأنه طبيب المجانين، بل وقد يرفض الطفل مراجعته إذا تعرض لطارئ صحي؛ والسبب الخوف من معرفة أصدقائه وأقرانه بذلك، وقد يطلقون عليه بعض الألفاظ المحرجة. وشدّد على أهمية أن تكون هناك توعية مستمرة عن الطبيب النفسي حتى لا يزداد أعداد المرضي المتخوفين من مراجعة العيادات النفسية، مؤيداً الاستشارة الهاتفية النفسية والتي ساهمت التقنية في وجودها وقربت المسافات وأزالت الحرج والخوف لدى المريض النفسي، لذلك مثل هذا النوع من الخدمة بحاجة إلى التوعية والتثقيف، وسبق أن قدمت إدارة الصحة النفسية بوزارة الصحة خدمة الاستشارات النفسية من خلال رقم هاتفي يتم التعامل من خلاله مع الحالات وتقديم النصح والإرشاد لها، واذا تطلبت الحالة رعاية أكثر يتم متابعتها مع مختص نفسي من خلال الزيارة الميدانية. مجرد أوهام وتحدث د. ماجد قنش - استشاري علم النفس والسلوكيات - قائلاً: إن الطبيب النفسي والمعالج السلوكي مهنة تمارس من قديم الزمن، وكان وقتها يسمى بمستشار العائلة، والذي يقوم باستشارته الناس بحكم تجربته وخبرته في الحياة، ومع تطور الوقت أصبحت تمارس بشكل علمي وفي داخل عيادات متخصصة، مضيفاً أن الاستشارة النفسية الهاتفية لا تغني عن زيارة الطبيب النفسي بتاتاً إلاّ بنسبة قليلة وفي حالات يمكن وصفها بالبسيطة مثل الاستشارات التحفيزية، لكن المشكلات النفسية العميقة والمتأزمة تستوجب زيارة الطبيب النفسي، مبيناً أنه لا يجب أن ينخدع المريض بجدوى العلاج النفسي عبر الهاتف؛ لأنها مجرد أوهام، متأسفاً أن الكثير من الناس تعتقد أنها الحل هرباً من كلام الناس والوصمة الاجتماعية. د. ماجد قنش طلال الناشري