دعا أكاديميون في مجال الخدمة الاجتماعية إلى إنشاء هيئة للاختصاصيين في الخدمة الاجتماعية، مماثلة لهيئة التخصصات الطبية، ليكون من ضمن صلاحياتها إعطاء تراخيص لمزاولة مهنة الاختصاصي الاجتماعي.وطالبوا بتغيير مسمى «المرشد الطلابي» في وزارة التربية والتعليم إلى «اختصاصي اجتماعي» والاعتراف الوزاري بأهمية الاختصاصي الاجتماعي. جاء ذلك ضمن ندوة أقامتها «الحياة» في مقرها في الرياض، شارك فيها عدد من الأساتذة في جامعتي الملك سعود والإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومتخصصون في وزارة التربية والتعليم. وناقشت الندوة «التهميش» الذي يتعرض له الاختصاصي الاجتماعي خلال مزاولة مهنته، والقائمين على الاستشارات عبر القنوات الفضائية من مدَّعي الاختصاص، وهو ما اعتبره ضيوف الندوة معضلة اجتماعية ينوء بها كاهل المجتمع، وعاملاً مساعداً في تفكك الأسر من خلال الاستشارات الخاطئة التي يقوم بها بعض الأفراد. واتهم مشاركون في الندوة 4 وزارات هي التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية والتعليم العالي والخدمة المدنية بتخريب البنية التحتية للخدمة الاجتماعية في المملكة. أكد مستشار الهيئة الوطنية للاعتماد والتقويم الأكاديمي في وزارة التعليم العالي الدكتور عبدالمجيد نيازي أن المعوّق الأساسي للخدمة الاجتماعية «عدم وجود بنية تحتية»، من الممكن أن تؤهل المجتمع تأهيلاً صحيحاً، منوهاً إلى ضرورة إيجاد برامج وخدمات يمكن الاعتماد عليها من خلال إقامة دورات ودبلومات مناسبة لكل فئة. وقال: «نلاحظ أن بعض الجمعيات الخيرية تكتفي بإعطاء الفقراء ما يحتاجونه من طعام، وهذا ليس عمل الاختصاصي الاجتماعي داخل هذه الجمعيات، إذ لا بد من إيجاد دورات مختلفة تحتاجها الأسر». ولفت إلى أن هذه المهنة حديثة إذا ما قيس الأمر على عدد الاختصاصيين الحاصلين على شهادات عالية، مشيراً إلى أن عددهم يتراوح بين 30 و40 اختصاصياً، «وإن استمر الوضع هكذا فلن نتطور وسنظل على الحال ذاتها أو للأسوأ». وأضاف: «قبل أن نحاسب المجتمع على عدم ثقته بدور الاختصاصي الاجتماعي، نقول ماذا قدّم الاختصاصي كي يكسب ثقة مجتمعه وقناعته؟ والجزء الأكبر يقع على الاختصاصيين أنفسهم»، منوهاً إلى أن الجيل القادم من الاختصاصيين الاجتماعيين سيتساءل: «ماذا قدمنا نحن لهم؟». وأشار إلى أن محاولات إنشاء جمعيتين «جمعية الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود» و«جمعية علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود»، وقصر وزارة الشؤون الاجتماعية وظائف الاختصاصيين الاجتماعيين على خريجي الخدمة الاجتماعية يعدان «إنجازاً». واعتبر نيازي أنه ليس من المنطقي مقارنة الخدمة الاجتماعية المطلوبة في الوقت الحالي بتلك المطبقة في الولاياتالمتحدة، «لا نتوقع أن نطبق الخدمة الاجتماعية كما يحصل في أميركا بين يوم وليلة، بسبب قلة الخبرات والكوادر والتشريعات التي تساعدنا في تحمل المسؤولية». وشدد نيازي على أهمية العمل الجاد في إثبات دور الاختصاصي الاجتماعي بشكل كبير داخل المجتمع «وإلا فلن نتقدم». وعبّر عن أسفه لاستخدام مسمى «الاختصاصي الاجتماعي» بدل مسمى «مرشد طلابي» داخل وزارة التربية والتعليم، مؤكداً أن سبب التسمية تمركز المسؤولين الذين كانوا يحملون شهادات علم النفس في الوزارة، ما جعلهم يغيّرون المسمى من دون العلم الكامل بالخدمات التي يمكن أن يقدمها الاختصاصي الاجتماعي لهم. وأشار إلى أن أعداد الاختصاصيين الاجتماعيين لا تغطي حاجة المملكة من ناحية التطوير، «نحن في حاجة إلى أن يقوم الاختصاصي الاجتماعي بدوره، إضافة إلى تطوير المخرجات التعليمية الجامعية، ولا يكون محتكراً من بعض الأكاديميين»، مطالباً باعتراف مهني رسمي بالاختصاصي الاجتماعي من الخدمة المدنية، وعدم خلطها مع مهن أخرى. ودعا وزارة الشؤون الاجتماعية إلى ألا تنجرف مع الأساليب التي ظهرت على السطح في الفترة الأخيرة من خلال «الاستشارات الهاتفية»، خصوصاً بعدما أعلنت عبر وسائل الإعلام أنها أسهمت في حل 600 حالة من العنف الأسري، متسائلاً: «كيف يتم حلها من دون مناقشة جميع الأطراف؟»، مشدداً على أن الخدمة الاجتماعية مرتبطة بأطراف أخرى ولا يمكن حلها من طرف واحد فقط. ونوّه إلى أن فكرة الخط الساخن والاستشارات الهاتفية في الحالات الطارئة لم تستخدم بشكل صحيح، فمهمته الأساسية المساعدة الفورية في حالة محاولة الانتحار أو الإبلاغ عن حالات عنف للتدخل السريع، أو إعطاء فكرة عن الجهات التي تقدم مساعدة. واستهجن قيام أحد المراكز الاستشارية بالمشاركة في تقديم الاستشارات الهاتفية التي تبلغ كلفة الدقيقة منها 7 ريالات (توزع 3 ريالات منها على شركة الهاتف وريالان للمركز وريالان للاستشاري)، معتبراً هذا التصرف «إساءة للمجتمع». من جهته، أكد رئيس جمعية الدراسات الاجتماعية الأستاذ في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالعزيز الدخيل وجود المعتدين على «المهنة»، وقال: «للأسف نلاحظ وجود من يتعدون على المهنة، إذ أصبح الطبيب النفسي والاختصاصي النفسي وخريج الشريعة يقوم بدور الاختصاصي الاجتماعي»، منوهاً إلى أن هيئة التخصصات طلبت منه إجراء مقابلة لخريج ماجستير شريعة لتصنيفه اختصاصياً اجتماعياً أولاً. واتهم وزارة الخدمة المدنية بالإساءة للاختصاصي الاجتماعي، «عندما تعلن عن وظيفة الاختصاصي الاجتماعي، فإنها تقبل تخصصات الشريعة والفقه والجغرافيا وعلم النفس، وبعد التوظيف لا تجري مقابلات أو اختبارات». واعتبر أن ما يحدث يجعل من البنية التحتية للخدمة الاجتماعية «ضعيفة»، لعدم وجود معايير ومقاييس لهذه الوظيفة، مؤكداً أن التخصصات الأخرى أساءت بشكل رسمي لدور الخدمة الاجتماعية. ولفت إلى أن بعض الاختصاصيين الاجتماعيين يتكاسلون في تطوير ذواتهم من خلال الدورات أو الحصول على شهادات عالية. وزاد: «بعض الموجودين من الذين يتقدمون لفتح مراكز استشارات وإرشاد أسرية ليس لديهم ترخيص لمزاوله المهنة، لكننا نلاحظ طلب الترخيص والشهادة من أي شخص لفتح صيدلية أو مستوصف أو طبيب، إذاً لا بد من توافر الترخيص للسماح لأي شخص بمزاولة المهنة». وتساءل: «هل وصل بنا الحد إلى التلاعب بأسرار المجتمع، ما جعل المشكلات الأسرية تتزايد من دون وعي. وحمّل وزارة الخدمة المدنية ووزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولية عدم تنظيم مهنة الخدمة الاجتماعية وبقائها عشوائية، خصوصاً أنه لا توجد جمعية مهنية للاختصاصي الاجتماعي لحمايته، مشدداً على أهمية إعادة إعداد برامج وخطط دراسية قادرة على تخريج اختصاصيين لممارسة الخدمة الاجتماعية. وأشار إلى أن المجتمع وبعض الأطباء لديهم خلط ولا يفرقون بين الخدمة الاجتماعية وعلم الاجتماع وعلم النفس، ففي كندا الطبيب السعودي، ملزم بأن يتعامل مع الاختصاصي الاجتماعي، وإذا قدم إلى السعودية يهمش دوره. واستنكر ما تقوم به المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني بإعطاء شهادات معتمدة باسم «معالج بالخدمة الاجتماعية»، لحضوره دورة مدتها أسبوع، منوهاً إلى أن مهنة الاختصاصي الاجتماعي ليست لها علاقة بالمؤسسة ولا تدرّس داخلها. وقال: «نصف الاختصاصيين الاجتماعيين في وزارة الصحة ليست لديهم شهادات الخدمة الاجتماعية»، مشدداً على أهمية مناقشة قضية الاختصاصيين الاجتماعيين داخل مجلس الشورى للحد من التلاعب بها والإساءة للمهنة والتلاعب بمصير المجتمع، «نلاحظ في بعض المراكز تحويل اختصاصية نفسية مقصرة في عملها إلى اختصاصية اجتماعية». وشدد على أهمية دور وزارة التربية والتعليم خصوصاً في المراحل الدراسية، «يفترض العمل لمصلحة جيل كامل وخروج مجتمع خال من المشكلات وإدمان المخدرات وصيحات الموضة من خلال حسن اختيار الاختصاصي الاجتماعي». ولفت عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد السيحاني إلى أن ضعف الإعداد المهني للاختصاصيين الاجتماعيين، وعدم تطور برامج التدريب الميداني، أديا إلى وجود فجوة كبيرة بين النظري الذي يدرس في الجامعة، والعملي الذي يمارس بعد التوظيف، وأيضاً ندرة المراجع العربية الحديثة، التي يمكن أن يستفيد منها الطلاب والاختصاصيون الاجتماعيون. وأكد عدم وجود معايير مهنية للاختصاصيين الاجتماعيين في مجتمعنا السعودي، مطالباً بتوفير المصطلحات الرئيسية في الخدمة الاجتماعية والاتفاق عليها. وأوضح أن بعض الجمعيات الخيرية لا تقوم بدورها الاجتماعي بشكل احترافي، وإنما هي اجتهادات فردية من القائمين عليها، وتوزيع مساعدات مالية من الأيادي البيضاء من أبناء المجتمع السعودي، «ونحن هنا نشير إلى القصور في دور بعض الجمعيات الخيرية». وتمنى توسع العمل التطوعي وتمهينه، وتحفيز أبناء المجتمع السعودي داخل المدارس، لكي يصبح العمل التطوعي سمة من سمات الثقافة السعودية. وأشار إلى أهمية فتح باب التطوع لدى الجمعيات الخيرية بمختلف مجالاتها، لكي تقود العمل التطوعي بشكل احترافي، خصوصاً أن المجتمع يجهل أهمية التطوع الذي يبدأ من المنزل، وبعضهم يعلم عن أهمية العمل التطوعي، ولكنه يجهل من أين يبدأ وكيف يطبق ويمارس التطوع. وذكر أن «ما نشاهده في بعض المؤسسات والمراكز الاستشارية وعلى بعض القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية يعد ضحكاً على الذقون واستهتاراً بعقلية المجتمع، مطالباً بتقييد مثل هذه الممارسات داخل هذه المراكز والجمعيات والوزارات أو إلغائها، لأنه لا يمكن تقديم خدمة علاجية من دون رؤية العميل وجهاً لوجه، أو مقابلة جميع أطراف المشكلة. وشدد على أن المعالج الأسري لا يمكن أن يفتح مؤسسة تدريبية أو عيادات علاجية متخصصة في العلاج الاجتماعي والنفسي، وهذه الفرصة منحت للأطباء النفسيين الذين لا يشترطون وجود المعالج الاجتماعي، وهذا سبب جزءاً بسيطاً من الإحباط لدى الأكاديميين والمختصين في الخدمة الاجتماعية. وأشار إلى أن 70 في المئة من رؤساء الأقسام والإدارات المختصة بالخدمة الاجتماعية ليسوا خريجي خدمة اجتماعية.