جاء خبر إعلان هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بإيقاف الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمحافظة العلا لتورطه بجرائم استغلال النفوذ الوظيفي وغسل الأموال خلال الفترة التي سبقت التحاقه بالعمل الحكومي، وكذلك بعد التحاقه بالعمل الحكومي نتيجة عقود ومشاريع تهدف لتحقيق منفعته الشخصية، ليؤكد أن نهج مكافحة الفساد هو إحدى أهم أولويات هذا العهد المبارك، عطفا على ما ذكره صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في أحد اللقاءات التلفزيونية السابقة بسموه، بأنه: "لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد سواء أميراً أو وزيراً أو أياً كان"، فقد رأينا منذ ذلك الوعد الكريم وما زلنا نرى يوما بعد يوم ما يجسده على أرض الواقع بإحالة العديد من المشتبه بهم في قضايا الفساد للتحقيق، وما إحالة أمراء ووزراء ومدنيين وعسكريين للتحقيق وعدم التردد في الاعتراف بوجود الفساد في جهات حكومية ووزارات سيادية إلا تأكيد لمصداقية أهداف هذه الحملة وموضوعية منطلقاتها الوطنية والتي تحكي بذاتها عن حقيقة نوعية وشفافية وسمو أهدافها؛ فالوطن ليس جسراً قصيراً للدخول لنادي الثراء بطرق غير نظامية، أو بأن يضل المنصب وسيلة للتكسب غير المشروع، لأن الوطن والمحافظة على مصالحه وموارده ومكتسباته لا يفترض أن يُعلى عليها. المفاجئ في ذلك الخبر هو أن تكون تلك التجاوزات والمخالفات الفاسدة وقعت ممن وضعت فيه الثقة حديثا وربما خلافا لما تستلزمه متطلبات الأمانة ومقومات الثقة، وأن تكون تلك الممارسات الفاسدة وقعت في إحدى الأجهزة المنشأة حديثا والتي ربما يتكئ بكثافة على حصانتها من الفساد نتيجة صلابة حوكمتها؛ ومن هذا المنطلق نقول إن الأجهزة المستحدثة مؤخرا لتحقيق مستهدفات الوطن الطموحة مقارنة بالجهات الحكومية التقليدية ليست بمنأى عن الفساد حتى في ظل حوكمة أعمالها وإجراءاتها، ما لم يتم التأكد من مقومات الثقة وحمل الأمانة فيمن توسد له مسؤولية إدارة شؤونها؛ فقد ذكرت في مقال سابق على هذه القضية بأن إن ديناميكية الفساد المؤسساتي المستحدث في مفاصل وأدوات ووسائل الفرص الوظيفية والاقتصادية في عدد من الأجهزة الجديدة مقارنة بما يحدث في غيرها من الجهات التقليدية الأخرى أكثر تفاقماً وتهديداً لخطط الوطن الإصلاحية وبرامجه التطويرية، خصوصا عندما تسند مسؤوليتها الإشرافية أو الإدارية لمن هو ليس أمينا وبصلاحيات مستثناة أو مطلقة، فيلجأ ذلك المسؤول إلى استغلال منصبه عبر تبادل المصالح مع المعارف وتوسيع دائرة علاقاته الاجتماعية عبر تقديم منفعتهم في ظل على سبيل المثال عدم الكفاءة بتعيينهم في الوظائف ومنحهم المزايا المالية والعقود في ظل عدم تحقق الحد الأدنى من المسوغات النظامية، بل وربما الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك بإساءة استعمال السلطة وانتقاص حقوق الغير وتمييعها إن لم يكن طمسها نتيجة الأمن من العقاب؛ ولذلك أثره غير المدرك على سمات وحدة النسيج الاجتماعي نتيجة تزايد النطاق التدريجي لتلف مقدرات الوطن وهلاك موارده وضياع مكتسباته، وفرط علل فجوتها واشتداد مناخ تأثيرها على استقرار مقومات الأمن الوطني إجمالا كإحدى المخاطر غير المدركة لزيادة الفوارق الاقتصادية وتناقضاتها الاجتماعية؛ ولهذا نقول إن المسؤول الأمين يبقى أمينا على ما وسد له من مسؤوليات ولو ظهر هناك فجوة نظامية أو إجرائية في تنظيم مهامه، أما الحوكمة فيمكن للمسؤول غير الأمين استغلال سلطته لتقويض محددات أهدافها وفرض سطوته لتغيير مسار أعمالها.