تحتاج البيئة الاقتصادية الوطنية لتضافر جهود عمل منظومة عدد من الأجهزة الرقابية فيما بينها لحمايته من المنافسات غير العادلة، وتكافح الممارسات الاحتكارية، وتوفر الآليات التي تعزز من فاعلية حريته وفاعلية تنافسيته، وصولاً إلى سوق ذات كفاءة متوازنة وتنمية مستدامة، وهو ما يستلزم مسبقاً وجود البنية التشريعية والقضائية التي تحافظ على سلامة البيئة الاقتصادية وتتجانس في تعاطيها نزولا مع القوانين الفرعية الأخرى لتنظيم مفردات كافة الأنشطة والأعمال فيها، وأن تكون هذه الأنظمة ذات كفاءة وتتصدى لما يصدر في الأسواق من ممارسات ناشئة وأي محاولات للتلاعب أو التأثير على أساسيات المنافسات المشروعة وجهود تنمية الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته، وأن تتسم هذه الآليات كذلك بالمرونة من حيث توفير الحماية الحقيقة والملاحقة الناجزة للاتفاقيات المقيدة لمبدأ حرية السوق والقضاء على أسباب التركز الاقتصادي والتكتلات الاحتكارية والإجراءات المفضية إلى استغلال أي وضع مهيمن في السوق أيا كان سببه ومصدره، كيلا تكون حرية الأسواق مجالاً تستبيح فيه مراكز وقوى العمل التجاري حقوق المستهلك وحقوق الدولة. ما ذكر أعلاه ينطبق حقيقة على طبيعة كافة مفردات الأنشطة الاقتصادية ذاتها، لكننا اليوم نعيش حالة شاذة وعكسية، لكنها واقعية نتيجة تفشي التستر في كثير من الأنشطة التجارية، والتي تتمثل في نوع من الممارسات الاحتكارية الضارة والمؤثرة في نمو البيئة الاقتصادية ومقومات تنافسيتها، ونقصد هنا انتشار هيمنة تكتلات جنسيات محددة من المقيمين وأحكام سيطرتها التامة على إدارة عدد من القطاعات التجارية والتحكم التام في كافة مفاصل شؤونها وما تستلزمه منظوماتها من أعمال سواء في الجملة أو التجزئة أو التوزيع وغير ذلك؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر ينتشر تحكم جنسيات محددة في سلسلة المطاعم الشعبية، ومحلات الذهب والمجوهرات، وسوق قطع غيار السيارات وورش الصيانة والتشليح، وقطاع الأدوية والصيدليات، وأسواق الخضار والدواجن والبيض، ومحلات بيع أدوات الكهرباء والسباكة، وسوق البصريات، وسوق الكمبيوتر ومستلزماته، والقائمة تطول إلى ما لا نهاية لما يدور خلف الكواليس من تحكم جنسية واحدة في أنشطة تجارية أخرى بعيداً عن عين الرقيب. ولهذا نقول هناك تساهل مع تبعات لخطر غير مدرك لجملة من المخاطر لهذه التكتلات التي لا يتسع المقام لسردها على حرية السوق ومقومات الأمن الاقتصادي والأمن الوطني نتيجة بسط نفوذ وتحكم جنسيات محددة على قطاعات اقتصادية مختلفة، وهو ما يبرز نوعا من التهديد لما تبذله الدولة - رعاها الله - من جهود لتمكين المواطن من الاستثمار في أسواق وطنه باعتباره نافذة لمضايقته في بيئة العمل الحر وإخراجه من السوق بشتى وسائل المنافسة غير المشروعة، وكذلك لتحييده من سبل تشجيع دخول استثمار الأجانب في الأنشطة الاقتصادية بطرق نظامية؛ فهذه التكتلات في الأنشطة التجارية بوابة لكثير مما يحصل من أزمات في الأسواق من رفع للأسعار وتجفيف وافتعال الاختناقات في السلع والمنتجات والبضائع ونحو ذلك، ويكفينا منها ظاهرة منافسة هذه العمالة الأجنبية للمواطن في كسبه ونهب مكسبه بطرق ملتوية نتيجة التحكم المفرط في كافة أنشطة عمل هذه القطاعات الحيوية.