الاقتصاد المتين لا يزداد متانة أو على الأقل يبقى متيناً إلا في ظل جود منظومة من الأجهزة الحكومية التي تهيئ البيئة الاقتصادية الداعمة للمنافسات التجارية العادلة وتكافح الممارسات الاقتصادية الاحتكارية وتوفر الآليات التي تعزز من الفاعلية والتنافسية وتحفظ حقوق المستهلك وصولاً إلى سوق ذات كفاءة متوازنة وتنمية مستدامة، وهو ما يستلزم مسبقاً وجود البنية التشريعية الاقتصادية المتجانسة مع السياسات التي تنظم مفردات الأنشطة والأعمال التجارية الأخرى، وتتجاوب مع ما يصدر من مكونات القطاع الاقتصادي من ممارسات تؤثر على المنافسة المشروعة، وتتسم بالمرونة من حيث توفير الحماية الحقيقة والملاحقة الناجزة للاتفاقيات المقيدة لمبدأ حرية السوق الاقتصادي والقضاء على أسباب التركز الاقتصادي وتمنع التكتلات الاحتكارية والإجراءات المفضية إلى استغلال وضع مهيمن في السوق, كيلا تكون الأسواق مجالاً تستبيح فيه مراكز وقوى العمل التجاري حقوق المستهلك بما لا يتفق مع تنمية الاقتصاد الوطني وتعزيز عدالة تنافسيته. قرر مجلس الوزراء الموقر مؤخراً الموافقة على الترتيبات التنظيمية المتضمنة تعديل مسمى (مجلس المنافسة) وتحويله إلى "الهيئة العامة للمنافسة"، ويكون ارتباطها تنظيمياً برئيس مجلس الوزراء، وتتولى حماية وتشجيع المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية المخلة بالمنافسة المشروعة، والمحافظة على البيئة التنافسية لقطاع الأعمال في إطار العدالة والشفافية للسوق المحلية؛ خطوة ترقية الجهاز المعني تنظيمياً بمعالجة حالات تقييد المنافسة ومنع الاحتكار وغير ذلك، لها دلالات ترمي إلى تخليص السوق من الممارسات الضارة التي تؤثر في فاعلية نمو البيئة الاقتصادية، ومنح فرص شبه متكافئة لمكونات السوق وللفعاليات الاقتصادية في بيئة منافسة وتحقق الكفاءة الاقتصادية عبر التأسيس لوجود جهاز رقابي قادر على التعاطي باستقلالية تنظيمية تستلزمها مهامه الموكلة له بما يكفل الوصول إلى اقتصاد مزدهر كأحد المحاور الرئيسية لمستهدفات رؤية 2030. بقى لي القول بأن التعامل مع المتطلبات التشريعية بكل حرفية وكفاءة وبما يحقق مقومات العدالة يستلزم الأخذ في الاعتبار ما سبق صدوره من ترتيبات تنظيمية لأجهزة القضاء وفض المنازعات وآلية العمل التنفيذية لهما, وكذلك الآلية التنفيذية والزمنية لنقل الاختصاصات والأنشطة المتعلقة بقطاع الرقابة المركزية وأجهزة التحقيق واختصاصات الجهات واللجان المتعلقة بالتحقيق والادعاء في جرائم جنائية إلى النيابة العامة, وهو ما يقتضي بداية إجراء تعديلات على "نظام المنافسة" (1435), كي يعكس تنظيمياً وقانونياً أن الهيئة العامة للمنافسة هي الجهاز الرقابي المناط به فقط مهمة ضبط السلبيات التي تنشأ من الممارسات الضارة بالمنافسة في السوق وجمع الاستدلالات بشأنها، دون أن يشمل ذلك صلاحيات المعالجة لإجراءات التحقيق والاتهام والمحاكمة باعتبارها سلطات تقع ضمن دائرة مسؤولية جهات قضائية أخرى، وإن مكنة التظلم من قرارات مجلس المنافسة على درجتين قضائيتين تشكل عبئاً أكثر منها ضمانة للتقاضي.