عنوان مقال اليوم ليس من عندي، بل استعرته من عنوان التقرير الإستراتيجي الثامن لعام 2023-2024م الذي أصدره "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة»". هذا التقرير المتميز كان مدهشًا حقا سواء في دقَة اختيار موضوعاته وتركيزه أو لغته الرفيعة والقراءة التحليلية العميقة للقضايا المتنوعة. هذا التقرير -دون أدنى مجاملة- يستحق القراءة المتأملة، ويستحق معه فريق عمل التقرير كل الامتنان والتقدير. ويغطي التقرير في قرابة 344 صفحة ثلاثة محاور رئيسة مهمة هي: التطورات في البيئة الدولية، التحولات الإستراتيجية في السياسة السعودية، تطورات الحالة الإيرانية. ففي مجال التطورات في البيئة الدولية يرى التقرير أن التحولات الحاصلة مرتبطة بصورة أساسية بتفاقم التنافس بين القوى الكبرى، وطبيعة المرحلة الانتقالية، التي يمر بها النظام الدولي. ويعزو التقرير ذلك بسبب تفاقم المنافسة الإستراتيجية بين القوى الكبرى، وانتقال الصراع إلى عديد من البيئات الإقليمية مثل الصراع المفتوح في أوكرانيا منذ العام 2022م، والتوترات على الساحة الإفريقية، وكذلك في الشرق الأوسط، الذي أصبح يواجه حالة من عدم اليقين بعد عملية طوفان الأقصى. ويرى التقرير أن أحداث غزة بالذات عكست مسار التهدئة، الذي قطعت فيه القوى الإقليمية شوطًا مهمًا، كما رصد التقرير شواهد وملامح التنافس الأميركي - الصيني وما أسماه التقرير "التوازن الإستراتيجي في شرق آسيا". أما رصد التقرير لأوضاع التحولات الإستراتيجية في السياسة السعودية فتلخص مقدماته في عام 2023م بوصفه عامًا استثنائيًا في مسيرة المملكة العربية السعودية على المستويات كافة -طبقًا للتقرير- مع ظهور نتائج «رؤية 2030» بوضوح على الصعيدين الداخلي والخارجي، كما يقرر التقرير أنَ المملكة العربية السعودية بدأت في تحقيق قفزات مهمَة في مسار التحديث الداخلي، الذي يعد قوةً دافعة مهمَة لتتبوأ المملكة مكانتها المستحَقَة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويستدل التقرير بمواصلة المملكة العمل الدؤوب لصنع السلام وتحفيز الاستقرار الإقليمي، بالتوازي مع الاستمرار في منهج تنويع الاقتصاد استعدادًا لمرحلة ما بعد النفط. ويلفت التقرير في رصده للحالة السعودية عام 2023 م، تنامي دور الوساطات التي تقودها المملكة في الأزمات الدولية بوصفه مرتكزا مهما في السياسة الخارجية السعودية معززًا باتجاهها لتنويع العلاقات الدبلوماسية بالتكتلات الدولية والإقليمية، ويسلط التقرير الضوء على سياسة تصفير المشكلات كتوجه سياسي سعودي بعد سنوات من الاشتباكات السياسية والعسكرية التي أفرزتها ضرورات ضاغطة في الواقع الإقليمي خاصة عقب ما أحدثته تبعات الثورات العربية في 2011، ومن محاور التقرير المهمة تحليل إستراتيجية التحول الدفاعي السعودي بواسطة برامج تطوير القوات المسلحة وتوطين الصناعات العسكرية. وفي قسم تحليل الحالة الإيرانية، يرى التقرير أن الساحة الإيرانية شهدت تطورات مهمة خلال العام 2023م، وهو ما انعكس على القضايا الداخلية المختلفة، كما اتخذت إيران -طبقًا للتقرير- جملة من السياسات والمقاربات تجاه ساحات النفوذ العربي، كالعراق ولبنان، بعد أن واجه نفوذها في سورية عديدًا من التحديات، وفي اليمن اتسم موقفها تجاه مبادرات السلام بعدم الوضوح، أما علاقات إيران بالقوى الإقليمية والدولية، فقد شهدت هي الأخرى عديدًا من التطورات، بإعادة ترتيب أدوارها بما يتوافق مع التفاهمات المترتبة على الاتفاق مع المملكة العربية السعودية التي كانت له تداعياته المباشرة على تلك الدول سواءً في الإطار الثنائي أو الجماعي تحت ظل جامعة الدول العربية. * قال ومضى: إذا لم تستطع قول الحقيقة، فلا تصنع الأصفاد لمن يتقنون اعتقالها..