مع الاهتمام بالأطعمة التقليدية كموروث تبرز "المَلّة الجمرية" باعتبارها جزءا أصيلا من الهوية الثقافية وانعكاس للبيئة القاسية التي عاشها الأجداد وقادهم شغف الحياة لمواجهة التحديات باستغلال الموجود كسبيل للعيش في ظل انعدام الخيارات ومحدودية الموارد، وهي تعطي تصوراً متكاملاً عن صعوبة الحياة في الماضي، فمكونات الغذاء البسيطة التي تراها الأجيال المتعاقبة متوفرة كانت في الماضي من الصعب الحصول عليها كضرورة لاستمرارية الحياة. "الرياض" تواصلت مع هاشم القرشي - صاحب معمل للمَلّة الجمرية بمحافظة الطائف - الذي حمل على عاتقة مسؤولية إيصال رسالة الموروث الشعبي للأجيال من خلال مهنة إعداد خبز "المَلّة الجمرية" كخبير في أسرارها ومتقن لصناعتها، ليس ذلك فحسب، بل عمد إلى مواجهة تحديات العصر الحديث بالمحافظة عليها وترسيخ مكانتها كجزء متأصل من ثقافة المملكة. يقول القرشي: المَلّة موروث تجذر لعادات موغلة في القدم، وهي ليست مجرد وجبة، بل حكاية تروي تفاصيل التعايش مع ظروف البيئة الصعبة، مضيفاً: "كانت وجبة ضيافة وزاد لأهل البيت، وقديما إفطار لمن يسرح بالماشية وتسمى كسرة". وأشار إلى أنها عبارة عن عجينة سميكة تُصنع من مكونات بسيطة وتُخبز بأحجام مختلفة، واكتسبت مسمى "مَلّة" من المل وهو التراب الحار أو الرماد أو الجمر، ذاكراً أن ما يتم عمله بغيرها لا يسمى مَلّة أبداً، وليس له صلة بها، وهو مجرد خبز عادي يتم خبزه في الأفران أو على الغاز، لكن ربما استعارة اسم "المَلّة" بسبب الأحجام الكبيرة التي يتم خبزها. وأكد على أنه لإطلاق اسم مَلّة على الخبز لا بد أن تتوفر أحد العناصر الأساسية كالرماد الحار أو التراب أو الجمر كجزء أصيل من التقاليد العريقة. وعن تاريخها قال: يمتد منذ عصور الجاهلية وما قبلها، ويدل على ذلك بيت للشاعر الحطيئة أبو مُلَيْكة العبسي الذي قال فيه: حفاة عراة ما اغتذوا خبز ملة ولا عرفوا للبر مذ خلقوا طعماً وأضاف: هذا يكشف أنها كانت من أشهر الأكلات على مر العصور، وتنتشر في الجزيرة العربية والصحراء، وفي مصر والأردن والمغرب العربي وموريتانيا، غير أنه في دولة الإمارات تسمى ملالة، مبيناً أنه يتم خبزها بالطريقة التقليدية حتى الآن، بل وتقام لها مسابقات على سبيل المثال في شمال السعودية وموريتانيا وبنفس الطريقة التقليدية والخصائص المشتركة، ذاكراً أنه من الممكن أن يتقنها أي شخص يملك الرغبة القوية للتعلم مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطعم قد يختلف لاختلاف الطحين وجودته وطريقة إعداده وكذلك الشكل في عملية الاستواء قد يختلف اللون وهنا الفرق. وفيما يتعلق بالمناسبات أوضح أنه يتم تقديمها كضيافة في وجبة الفطور، وفي المساء بعد المغرب وتسمى وجبة "اللطف"، كما تقدم في الأفراح والعزاء، وتؤخذ لأهل الميت كوجبة فطور. وتابع: تعتبر "المَلّة الجمرية" وجبة رئيسة في أول أيام في عيد الفطر المبارك لأهالي محافظة الطائف، وتُقدم مع السمن والعسل والجبن البلدي، لافتاً إلى أن الإقبال عليها يزداد ليلة العيد كتقليد متبع يحرص عليه اهالي المحافظة، مشيراً إلى أن خبرته في صنعها تمتد لأكثر من خمسة أعوام، وشارك في عدة فعاليات أبرزها معرض شتانا في موسم الدرعية الذي نظمته هيئة فنون الطهي. اكتسبت مسمى «مَلّة» من المل وهو التراب الحار أو الجمر عجينة سميكة تُصنع من مكونات بسيطة الطعم قد يختلف لاختلاف الطحين وجودته وطريقة إعداده