دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يومها الثالث بعد المئة، فيما شن الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات على مناطق مختلفة بالقطاع، بينما جددت المدفعية الإسرائيلية قصف المربعات السكنية والمناطق المأهولة وخاصة في خانيونس، والمغازي، وجباليا. يأتي ذلك في وقت تجددت الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية وقوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي، في محاور التوغل، كما شهدت مناطق عدة معارك ضارية، خاصة في خانيونس والمناطق الوسطى من القطاع. وأوقعت الغارات والقصف المكثف الذي طال المناطق المأهولة ومحيط مراكز الإيواء، عشرات الشهداء ومئات الإصابات، لترتفع حصيلة شهداء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ أكثر من 100 يوم، إلى 24,100 شهيد، فيما بلغت حصيلة الجرحى 60,834 إصابة، وفقا لآخر حصيلة أعلنت عنها وزارة الصحة في القطاع. وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل جندي برتبة رائد وإصابة اثنين آخرين بجراح خطيرة في معارك بجنوب القطاع، علما أنه منذ بدء العملية البرية في غزة قتل نحو 190 جندياً إسرائيلياً، ومنذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي 523 جندياً. وأفادت مصادر محلية أن الانفجارات لا تتوقف بمدينة غزة ومناطق متفرقة منها، كذلك شمال القطاع نتيجة استمرار القصف المدفعي والجوي على أهداف لم تعرف طبيعتها بسبب شح المعلومات وعدم توفر الاتصالات. من جانبه، قال الهلال الأحمر الفلسطيني إن: «انقطاع الاتصالات المستمر في قطاع غزة يؤخر عمليات الاستجابة الطارئة للمرضى والجرحى». وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي دمر 18 مقراً تابعاً لها في قطاع غزة، بالإضافة إلى خروج 14 مركبة إسعاف من الخدمة. الحصول على الطحين قد يكلفك حياتك قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكتف بتجويع الفلسطينيين في شمالي وادي غزة، بل قتلت العشرات منهم خلال محاولتهم الحصول على مساعدات محدودة وصلت هناك. وأكد المرصد في بيان له، أن ذلك تكريس لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد السكان المدنيين في القطاع منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي. وكشف في بيانه، أنه وثق شهادات صادمة عن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين، وإصابة آخرين خلال تجمعهم يوم الخميس 11 يناير الجاري على شارع الرشيد غربي مدينة غزة لتلقي مساعدات إنسانية، محملاً وكالات الأممالمتحدة المسؤولية عن عجزها ضمان آليات مناسبة لإيصال المساعدات للسكان. وبيّن أن المعلومات التي تلقاها تشير إلى استشهاد ما يقرب من 50 فلسطينيًّا وإصابة عشرات آخرين، بعدما استخدم الجيش الإسرائيلي طائرات «كوادكابتر» لإطلاق النار تجاه فلسطينيين تجمعوا لاستلام كميات من الطحين عبر شاحنات تتبع للأمم المتحدة. ووفق الشهادات التي جمعها الأورومتوسطي، فإن عشرات السكان تجمعوا على شارع الرشيد غربي مدينة غزة، الذي دمرته الجرافات الإسرائيلية في الأسابيع الماضية، بانتظار وصول الشاحنات التي تقل الطحين، قبل أن يفاجأ الجميع بقدوم طائرات مسيرة من نوع «كوادكابتر» بدأت بإطلاق النار تجاههم، وأوقعت عددًا كبيرًا من الشهداء والجرحى في صفوفهم. وبيّن أن السكان هربوا من المنطقة، ونقلوا من استطاعوا من الجرحى، فيما بقي الشهداء في المكان. وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، وصلت الشاحنات ليعود مئات السكان للتجمع مجددًا لمحاولة استلام حصة من الطحين، في وقت يعاني مئات الآلاف شمالي وادي غزة من الجوع للشهر الرابع على التوالي. وذكر أن السكان اضطروا لقطع مسافات تصل إلى 10 كيلومترات للوصول للمنطقة، فيما لم يكن هناك أي نظام عند استلام المساعدات. وبناءً على الشهادات التي تلقاها الأورومتوسطي، فإن هناك تخوفات من وجود ضحايا سقطوا نتيجة الازدحام الشديد، الذي حصل في المنطقة بعد وصول الشاحنات. وبين الأورومتوسطي، أن السكان نقلوا الشهداء على عربات تجرها حيوانات من المنطقة، بعد مضي ساعات على مقتلهم. وقال أ. ف (27 عامًا) لفريق الأورومتوسطي: توجهت أنا وشقيقي مع عدد من الجيران إلى شارع الرشيد صباح 11 يناير، بعد أن قطعنا [مسافة] لا تقل عن 5 كيلومترات، ثم وجدنا الناس تتجمع وتتجه نحو الجنوب، فمشينا معهم باتجاه الطريق الذي يفترض أن تأتي منه الشاحنات التي تحمل الطحين. فجأة ظهرت طائرات كوادكابتر وبدأت تطلق النار تجاهنا بشكل عشوائي، شاهدت العديد من الأشخاص يقعون على الأرض، شعرت بحرارة الرصاصات بجواري، وبدأت أركض لمغادرة المنطقة، ولاحقًا وصل جيراني وتبين أن اثنين منهم أصيبا بجروح.» وأضاف: «نحن نعاني من جوع حقيقي، لا يوجد طحين أو أي مواد غذائية، كيس الطحين الذي كان سعره بحدود 40 شيكلًا (نحو 10.8 دولارات أمريكية) أصبح يباع إن توفر -غالبًا غير متوفر- بأكثر من 600 شيكل (نحو 162 دولارًا أمريكيًّا)». وقال م.د (27 عامًا):وصلنا بعد دوار النابلسي، قريب من نقطه الساحل، فجأة ظهرت دبابة للجيش الإسرائيلي من خلف تلة رمليه، وبدأت بإطلاق نيران بشكل عشوائي. في الوقت نفسه هاجمتنا طائرات كوادكابتر، أنا شاهدت اثنتين منها. جميع من كانوا في المقدمة قتلوا أو أصيبوا، لا يقل عن 50 شخصًا استشهدوا في لحظات، وكان هناك إصابات كثر. وأضاف: «تقريبًا الساعة 11:30 قبل الظهر، عدت مع آخرين. شاهدنا الشاحنات وبدأنا نركض باتجاهها، كانوا أربع شاحنات تحمل طحين ومعلبات وأدوية. هجم الناس على الشاحنات وهي تمشي، وبعضهم كان يقع، شاهدت شخصين يقعان تحت إطارات الشاحنة ويدهسان.. لو كان هناك نظام لتوزيع الطحين كان أفضل من الفوضى، والموت الذي نعيشه. بعد ذلك، أنا غير مستعد لأعود آخذ [الطحين] لأني رأيت الموت بعيني.» ووفق البيان؛ تكرر تجمع السكان في الأيام التالية مع تردد أنباء عن قدوم شاحنات إضافية تحمل المساعدات، حيث يتجمع المئات منذ الساعة السابعة صباحًا، وسرعان ما تأتي طائرات مسيرة إسرائيلية تستهدفهم بإطلاق النار. التجويع كأداة من أدوات الحرب المواطن م. د (38 عامًا) قال لفريق الأورومتوسطي: «تجمع الناس على شارع الرشيد من الساعة السابعة صباح يوم الإثنين [14 يناير]، وعند الساعة الحادية عشرة وصلت طائرات كوادكابتر واستمرت في إطلاق النار لمدة ساعة ونصف، ما أدى إلى عدد من القتلى والمصابين. ولم تصل [حتى حينه] أي مساعدات.» وذكر أن نجله (18 عامًا) توجه للمنطقة أيضًا وبقي ينتظر لساعات حتى وصلت شاحنة واحدة، وحاول مع مئات المواطنين الوصول لها حتى داسته الأقدام وأغمي عليه، ولم يتمكن من الحصول على أي كمية طحين، «لأن طريقة التوزيع فيها خلل وغير آدمية» وشدد الأورومتوسطي على أن إسرائيل تستخدم التجويع كأداة من أدوات الحرب والضغط السياسي ضد المدنيين الفلسطينيين، وهو ما يندرج ضمن جريمة الإبادة الجماعية، ويتطلب تدابير عاجلة لتمكين الفلسطينيين من الحصول على الطعام والشراب، ومجمل احتياجاتهم الأساسية دون عوائق ودون استهداف أو ترهيب. وحمّل الأورومتوسطي الأممالمتحدة ووكالاتها الإنسانية المسؤولية عن القصور والعجز، في توصيل المساعدات الإنسانية بشكل لائق ومناسب لمئات آلاف السكان، الذين يعانون جوعًا حقيقيًّا للشهر الرابع على التوالي، وكذلك صمتها إزاء قتل الجيش الإسرائيلي مدنيين خلال محاولتهم استلام المساعدات. وأشار الأورومتوسطي إلى إعلان المتحدث باسم الأممالمتحدة، «ستيفان دوجاريك» أن ثلاث شحنات فقط من أصل 21 شحنة مساعدات منقذة للحياة، تمكنت من الوصول إلى شمالي وادي غزة، في الفترة ما بين 1 و10 يناير الجاري. وقال «دوجاريك» إن هذه البعثات كان مخططًا لها إيصال الإمدادات الطبية والوقود لمرافق المياه والصرف الصحي في مدينة غزة وشمال القطاع، فيما رفضت السلطات الإسرائيلية السماح بدخولها.