رغم الظروف المعاكسة، إلا أن الطبقة المتوسطة العالمية سجلت أرقاماً ملحوظة في العام المنصرم، فقد انتقل 100 مليون شخص إلى أحضان هذه الطبقة في 2023، ليصل مجموع أفرادها إلى قرابة 4 مليارات نسمة، ومن المتوقع أن ينضم 113 مليون شخص آخر إلى الطبقة المتوسطة في عام 2024، وسيكون معظمهم من قارة آسيا، ولهذه الطبقة تأثير قوي على الاقتصاد العالمي، حيث توسع دورها بشكل كبير خلال العقود الماضية، فقبل 50 عاماً كانت هذه المجموعة من المستهلكين العالميين تتركز بشكل شبه حصري في الدول الأوروبية، لكنهم باتوا ينتشرون الآن في كافة قارات العالم، مشكلين صمام الأمان في كل المجتمعات الإنسانية، حيث يمثلون 45 ٪ من سكان العالم، ومن المتوقع أن ينضم 700 مليون نسمة آخرين بحلول عام 2030، وأهم ما يميز هذه الطبقة هو قدرتها على امتلاك منزل خاص، وسيارة، وتعليم أبنائها في مدارس خاصة، ووجود مدخرات تمكنها من تناول الطعام بشكل شبه أسبوعي خارج المنزل، وقدرتها على السفر والسياحة داخلياً وخارجياً. شكل عام 2003، انعطافه تاريخية للطبقة المتوسطة، ففي هذا العام وصلت أعداد الفقراء لذروة تاريخية لامست 4.4 مليارات نسمة، مما حفز الملايين لترك دهاليز الفقر، والارتقاء إلى مصاف الطبقة المتوسطة، مما أسهم في تسارع نمو هذه الطبقة، وخاصة في آسيا، وعموماً، فإنه يمكن تقسيم هذه الطبقة إلى فئتين، الأولى الطبقة المتوسطة الدنيا، وهذه الفئة تكسب حوالي 100 دولارًا يومياً، والثانية الطبقة المتوسطة العليا، وهذه تكسب 150 دولاراً يومياً، وهذا الراتب أو الأجر يؤثر على الإنفاق الاستهلاكي، حيث تنفق الطبقة المتوسطة سنوياً 44 تريليون دولار، أو 68 % من الإنفاق الاستهلاكي في العالم، ومن المتوقع أن يتزايد إنفاق الطبقة المتوسطة إلى 62 تريليون دولار بحلول 2030، وعادة ما يتم تعريف المنضمين لهذه الطبقة على أنهم الأشخاص القادرون على إنفاق ما لا يقل عن 20 دولاراً يومياً، وفقًا لتعادل القوة الشرائية لعام 2023. نصيب الأسد من الطبقة المتوسطة والسؤال، من أي مكان في العالم وأي دولة سينضم 113 مليون نسمة إلى الطبقة المتوسطة في عام 2024؟، تشير البيانات إلى أن قارة آسيا سيكون لها نصيب الأسد في حراك الطبقة المتوسطة، حيث من المتوقع انضمام 91 مليون آسيوي إلى هذه الطبقة المهمة في العام الجاري، ثم تأتي أفريقيا مع 10 ملايين نسمة، وأميركا اللاتينية مع 6 ملايين نسمة، أما ال 5 ملايين الباقية فموزعة على بقية دول العالم، وهكذا، ستساهم القارة الآسيوية بنسبة 81 % في زيادة أعداد الطبقة المتوسطة العالمية في العام الجاري، وتوزيعهم داخل القارة الآسيوية سيكون كالتالي: 31 مليون صيني، و33 مليون هندي، و5 ملايين إندونيسي، و5 ملايين ببنجلاديشي، و4 ملايين فيتنامي، و3 ملايين باكستاني، و2 مليون فيلبيني، ومليون تركي، ومليون تايلاندي، و6 ملايين موزعين على بقية دول القارة الآسيوية. وتعد الصينوالهند أكبر مصدرين لإضافة الوافدين الجدد للطبقة المتوسطة في العام الجاري، حيث تتمتع الدولتان بتعداد سكاني هائل، ومستويات دخل مرتفعة، ومعدلات عالية من التحضر، وضمن القائمة تأتي إندونيسيا وبنجلاديش، حيث تضيف كلاً منهما 5 ملايين شخص إلى الطبقة المتوسطة، وهذان البلدان يتمتعان بهرم سكاني موسع، مما يعني أن متوسط الأعمار صغير نسبياً، وقوى العمل متنامية، وبالإضافة لهذه الدول، تتزاحم على كعكة الطبقة المتوسطة فيتنام والفلبين وتايلاند، وهذه الدول الثلاث تعتبر من أسرع أسواق التجارة الإلكترونية نموًا في العالم، أما في القارة الأفريقية، فإن مصر ونيجيريا ستسهمان بأكثر من مليون منضم للطبقة المتوسطة في عام 2024، فبينما تضيف مصر 2 مليون شخص، ينضم مليون نيجيري لهذه الطبقة، ويتميز كلا البلدين بإمكانات نمو عالية، ومعدلات مواليد أعلى من المتوسط، ومن اللافت، أن بنك الاستثمار الأميركي "جولدمان ساكس"، يتوقع أن تصبح مصر ونيجيريا خامس وسابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2075، متجاوزتين اقتصادات كبرى مثل فرنسا وبريطانيا. لا يعني انتقال ملايين البشر للطبقة المتوسطة خلال سنوات قريبة، أن أعداد الفقراء ستتقلص بشكل يقترب من مستهدفات البنك الدولي بنهاية العقد الحالي، بل على العكس، ستظل أعداد الفقراء كبيرة للغاية، مما يؤشر على وجود أزمة عالمية في توزيع الثروة، وربما تظل الطبقة المتوسطة في الأسواق الناشئة علامة مشجعة، حيث تضاعفت حصة هذه الدول من الثروة خلال العقدين الأخيرين من 10 % إلى 24 %، وتعد الصين لاعباً رئيسياً في هذا التحول الإيجابي، ولهذا، يتعين على المستثمرين أن يراقبوا الأسواق الناشئة التي تحاكي النموذج الصيني المنتقل، خلال فترات وجيزة من مربع الاقتصاد الزراعي إلى مربع القوى العظمى، وبالرغم من أن النمو الصيني الهائل يشير إلى دور الطبقة المتوسطة في تعزيز الاستهلاك المحلي، إلا أن هذا لا يعني أن الأمور وردية تماماً للطبقة المتوسطة في الصين، فالاقتصاد الثاني عالمياً لا يزال متضرراً من توابع سنوات ما بعد الجائحة، ومتأثر بتباطؤ الطلب، وسط أزمة عقارات متفاقمة، وشيخوخة سكانية، وحرب تجارية طاحنة، وبيئة أعمال مشحونة بالتوتر مع الغرب. الملاحظ، أن الطبقة المتوسطة تتأثر بنقاط القوة والضعف في اقتصادات بلادها، فكلما كان الاقتصاد أكثر استقراراً كلما ازدهرت الطبقة المتوسطة، والعكس صحيح، وعلى سبيل المثال، فإن نقاط القوة في الهند تكمن في سرعة النمو ووجود عدد كبير من السكان في سن العمل، بينما تتمثل نقاط الضعف في غلبة الروتين والافتقار للبنية التحتية، بينما تتميز نقاط القوة في الصين بالبنية التحتية الممتازة، والإنفاق المرتفع على البحث والتطوير، أما نقاط الضعف فتتمثل في جبال الديون، وشيخوخة السكان، فيما تتميز نقاط القوة في إندونيسيا بالتنوع الاقتصادي والعمالة الرخيصة، بينما تتأثر بالفجوة الواسعة في الدخل والافتقار للبنية التحتية، أما المكسيك فتتميز بالتكامل مع الاقتصاد العالمي والعمالة الرخيصة والمؤهلة، بينما تتمثل نقاط ضعفها في الاضطرابات السياسية والاعتماد المفرط على العلاقات الأميركية، وفي البرازيل يتميز اقتصادها بالتنوع والموقع الاستراتيجي، لكنها تعاني ضعفاً في زيادة التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج والفساد، أما قوة روسيا، فتتمثل في الموارد الطبيعية والتنوع الاقتصادي والقوى العاملة المتعلمة، بينما تعاني اضرابات عسكرية نتيجة للحرب مع أوكرانيا، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية وهروب الاستثمارات الأجنبية. يثير تنامي الطبقة المتوسطة أسئلة حول استفادة المستثمرين من تحول الثروة العالمية، والواقع، أنه يتعين على المستثمرين تقديم حلول هيكلية، وضخ سلع استهلاكية، وإبرام استثمارات عابرة الحدود، وسنضرب مثلاً لتوضيح كيفية الاستفادة من تنامي الطبقة المتوسطة في الأسواق الناشئة، ففي هذه الأسواق تتزايد الحاجة إلى تسريع التكنولوجيا، مع زيادة عدد مستخدمي الإنترنت، وهذا يعني، أنها بحاجة لاستثمارات تعزز القطاع التكنولوجي وتهيئة الطبقة المتوسطة لمواجهة ثورة الذكاء الاصطناعي، ومشاريع نوعية تعطي تغطية أفضل لشبكات الجيل الثالث والرابع، مع خفض تكلفة البيانات والهواتف الذكية، ومع زيادة الدخل، وبحث الطبقة المتوسطة عن تحسين جودة الحياة، فإن الأمور تبدو مهيئة لإقامة مشاريع تستجيب لتطلعات المستهلكين، وعلى سبيل المثال، فقد عززت الطبقة المتوسطة في الهند من الطلب المحلي، مما جعله يتوسع إلى 6 تريليونات دولار خلال عام 2023، أي أربعة أضعاف حجمه في عام 2018، ومن المرجح في عام 2024 أن يكون الإنفاق الاستهلاكي في الأسواق الناشئة مدفوعاً بالسلع مرتفعة الأسعار، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الخيارات عبر فئات الطعام والنقل والبنية التحتية والاتصالات والتكنولوجيا، وستكون العلامات التجارية والشركات العالمية التي تخطط بدقة للتوسع في الأسواق الناشئة هي الفائز الأكبر.