صور الشعر العربي صوراً أدبية خلابة للأحداث التاريخية، والتقط تفاصيل الشخوص المساهمة في صناعة المستقبل، لذلك كانت لحظة إرساء قواعد الدولة السعودية ملهبة لقرائح الشعراء، وسرعان ما تهافتوا منضوين تحت سناء انتشر في الجزيرة العربية يدونون الملاحم وينقلون مآثر الأبطال ومناقب الأئمة والقادة. وزخر على وجه الخصوص الشعر النبطي بقصائد رصدت إما فترة زمنية، أو وفاء الشعب إلى قادته، أو استعراض شخصية بطل، أو منجزاً وطنياً سما بالمنطقة إلى الاستقرار، إذ درّت أقلام الشعراء منذ الدولة الأولى وصولاً إلى عصرنا الزاهر، وهم ما زالوا يستوقفون التاريخ في قصائدهم كي تتأملها العقول وتؤصل هوية الوطن وتشد عزائم أجياله، ومن جهة أخرى يمدون الباحثين بمواد تعينهم في استقراء تحولات عايشتها المنطقة، وتعرّفهم بالأبطال الذين استنهضوا الناس. وقد أصبحت هذه القصائد جزءاً لا يتجزأ من الإرث السعودي، مما استحث وزارة الثقافة على إطلاق مبادرة "عام الشعر العربي 2023" كما أنها أعلنت عن تنظيم مهرجان الشعر النبطي بمنطقة القصيم خلال الفترة من 27 ديسمبر إلى 30 ديسمبر، في سبيل الاحتفاء بهذا الفن الأدبي الذي يعد جزءاً من الثقافة السعودية. وبالعودة إلى الدولة السعودية الأولى، استبسل الشعراء آنذاك في الدفاع عن الدولة، حريصين على تبيين أهدافها ومهاجمة خصومها، علاوة على وصف الجيوش والفتوحات، خالية من الفردانية ومفعمة بالروح الاجتماعية. ومن الأبيات الخالدة ما نظمه الشاعر حسين بن غنام مهنئاً الإمام سعود بن عبد العزيز بعد فتح الأحساء، وهي من عيون الشعر العربي الفصيح، إذ تدل على قوة اللغة وسعة الاطلاع لدى ذاك الجيل، ونبوغهم في كتابة الفنون الشعرية، حيث قال: شمس الأماني أشرقت في سعودها ولاح بأفق السعد أنجمه الزهر وجلا ظلام الخطب بيض صنائع كأن سناها في غياهبه بدر وجاء في القصيدة إبان الدولة السعودية الثانية طرحاً جاداً يقف على حال الأمة، حتى إن أمراء الدولة كتبوا القصائد، وسطّر مؤسس الدولة الثانية الإمام تركي بن عبد الله قصيدة من ضمنها: وحصنت نجد عقب ما هي تطرا مصيونة عن حر لفح المذاري والشرع فيها قد مشى واستقرا ويقرا بنا درس الضحى كل قاري وفي ذات القصيدة يصف سيفه قائلاً: يوم ان كلّن من خويه تبرّا حطيت الأجرب لي خويٍّ مباري نعم الرفيق اليا صطا ثم جرّا يودع مناعير النشاما حباري وحين حمي الوطيس واندفع المقاتلون في ساحات الوغى، تحت بيرق الدولة السعودية بقيادة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، استل الشعراء أقلامهم لتوثيق هذا المفترق التاريخي والثقافي، وفيما بعد تطور أسلوب ومضمون القصيدة، في ظل النهضة ورغد العيش ووفرة التعليم، التي انعكست على الشعر الفصيح والنبطي. وتعتبر قصيدة الشاعر عبدالرحمن الحوطي من أبرز القصائد في تلك الفترة، إذ صدح بها بمناسبة استعادة الرياض: دار ياللي سعدها تو ماجاها عقب ماهي ذليلة جالها هيبه جو هل الدين والتوحيد وحماها واذهب الله هل الباطل واصاحيبه ومن الشعراء الذين رافقوا المؤسس في رحلة توحيد البلاد، الشاعر فهد بن دحيم، وهو من قال: نجد شامت لبو تركي وأخذها شيخنا واخمرت عشاقها عقب لطم خشومها ولم ينفك الشعراء في العصر الحالي عن السير في ركب الوطن مستلهمين قصائدهم من بطولات الوطن الخالدة.