طار الكرا عن مقلة العين فرا فزيت من نومي طرا لي طواري وأبديت من جاش الحشا ما تذرا واسهرت من حولي بكثر الهذاري خط لفاني زاد قلبي بحرا من شاكين ظيم النيا والعزاري سر يا قلم واكتب على ما تورا واكتب جواب لابن عمي مشاري دنياك هذي يا بن عمي مغرا لا خير في دنيا توري النكاري تسقيك حلو ثم تسقيك مرا ولذاتها بين البرايا عواري اكفخ بجنحان السعد لا إتدرا وما قدر الباري على العبد جاري ولا في يد المخلوق نفع وضرا والعمر ما ياقاه كثر المداري يوم ان كل من عميله تبرا ونجد غدت باب بليا سواري رميت عني برقع الذل برا ولا خير في من لا يدوس المحاري نزلتها غصب بخير وشرا وجمعت شمل بالقرايا وقاري واجهدت في طلب العلا لين قرا وطاب الكرا مع لابسات الخزاري ومن غاص غبات البحر جاب درا وحمد مصابيح السرا كل ساري انا احمد اللي جابها ما تحرا واذهب غبار الذل عني وطاري واحصنت نجد عقب ماهي تطرا مصيونة عن حر لفح المذاري والشرع فيها قد مشى واستمرا يقرا بنا درس الضحى كل قاري ولا سلت عن من قال لي لاتزرا حطيت الاجرب لي خوي مباري نعم الصديق ليا صطا هم جرا يودع مناعير النشاما حباري ترجمة الشاعر: هو الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، والإمام تركي بن عبد الله هو مؤسس الدولة السعودية الثانية ولد عام 1183ه في الدرعية ،وكان أميرا على الرياض من عام 1225ه حتى سقوط الدرعية في1233ه بعد المصالحة بين الإمام عبد الله بن سعود و إبراهيم باشا ولم يرتحل تركي بن عبد الله إلى مصر بل قصد جنوبالرياض هو وأخوه زيد واختفى متحيناً الفرص يقول ابن بشر "ولم يزل يتنقل في العربان والبلدان ثم نزل بلد الحلوة فلما أراد الله تمام نعمته على المسلمين وحقن دمائهم وجمع شملهم رحل بشرذمة رجال من الحلوة وقصد بلد عرقة وثبته الله ونصره وحارب الترك وغيرهم" وكان ذلك في رمضان عام 1238ه ولم تنته سنة 1240ه حتى تمكن من طرد الغزاة من بلدان نجد والرياض واستتم له الأمر .و قد اشتهر رحمه الله بالشجاعة الفائقة ولقب براعي الأجرب (وهو اسم سيفه) وتميز بالتدين والحنكة ورجاحة العقل وسداد الرأي ،مات شهيدا في يوم الجمعة 30ذي الحجة عام 1249ه . مناسبة النص: مقتضى الأبيات يشير إلى أن هذا النص قيل في سنة1240ه بعد أن قام الإمام تركي بن عبد الله بطرد العسكر التركي من نجد ،حيث وجه الإمام تركي من خلال أبيات القصيدة دعوة إلى مشاري بن عبدالرحمن يحثه فيها على الهرب من مصر والعودة إلى نجد ويفهم أن مشاري قد بعث برسالة من مصر إلى الإمام تركي يشتكي فيها معاناته وفقا لهذا: خط لفاني زاد قلبي بحرا من شاكين ظيم النيا والعزاري يا حيف ياخطو الشجاع المظرا في مصر مملوك لحمر الخداري يقول ابن بشر "دخلت السنة الحادية والأربعون بعد المائتين والألف وتركي بن عبد الله رحمه الله في الرياض وبلدان نجد كلها سامعة مطيعة ..فاطمأنت بعدله الرعايا وأمنت البلدان و القرايا ..ورفع الله بولايته عن المسلمين المحن وزالت عنهم الحروب والفتن ..وفيها أقبل مشاري بن عبد الرحمن بن مشاري بن سعود هاربا من مصر،فقدم على خاله تركي بن عبد الله في الرياض فأكرمه وأعطاه عطايا جزيلة واستعمله أميراً في بلد منفوحة". انتهى. دراسة النص: يعتبر هذا النص من عيون الشعر حيث نال من الشهرة والتداول على الألسن ما لم ينله غيره و يكاد لا يخلو أي مجموع شعري منه وهو نفيس بموضوعه وسبكه وسمو مضامينه وخلاصة التجربة والحكمة التي يحملها ،ولم يصل لنا من قصائد الإمام تركي سواه ،وقد اعتمدت على ماجاء في مخطوطة قديمة لجامع مجهول حيث وجدت النص فيها متسقا في معناه ومبناه ويمتاز بالتسلسل الموضوعي والترابط ومتماشيا مع لغة عصره ويبلغ عدد أبياته تسعة وعشرين بيتا،فيما تختلف روايات النص المدونة في المخطوطات والكتب الأخرى بالزيادة والنقص ودخول بعض الألفاظ الحديثة والتقديم والتأخير بين الأبيات مما يخل بالترابط و يربك المعنى الإجمالي،وبالتالي فان النص الذي بين يدينا والذي اخترت منه الأبيات السابقة يعتبر أفضل الروايات المدونة ويعتبر وثيقة تاريخية على أحداث تلك الفترة وجهاد الإمام تركي ضد الغزاة والذي توج بالانتصار وإعادة الحق بعد سنوات قليلة إلى أهله و المتمثل في تأسيس الدولة السعودية الثانية كما يتضمن أهداف الإمام تركي المعلنة وفلسفته في الحياة ومنهجه في الحكم ،وقد استهل القصيدة مشبهاً النوم بطائر يفر من عينيه مغادراً ، ويبين حالة السهر والاهتمام التي سببها يكمن في الرسالة (خط) التي وصلت إليه من ابن عمه مشاري والذي كان يشتكي فيها من حالة الغربة والمعاناة التي يعيشها أسيراً في مصر،وفي أسلوب جميل أصبح منهجاً في استهلال قصائد الشعراء بعد ذلك (سر يا قلم واكتب..) يأمر الشاعر القلم بكتابه الإجابة وكأن مشاري كان يطلب النصح فيما يعمل فيوضح له أن هذه الدنيا غرور ولا خير فيها طالما سيأتي يوماً تريك ما يسوء فكما استمتعت بحلاوتها ستتجرع المرارة فلذتها أشبه بالعارية التي تتنقل بين الناس ولا يملكها أحد ثم يأمره أن يحلق بجناح الحرية والمجد ولا يخاف فالمكتوب لا راد له والإنسان لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا والأجل إذا حان لم يمنعه مانع حاثا له على الفرار من الأسر ومستشهداً بما حدث للإمام تركي حينما رأى نجد وقد أصبحت باباً سهلا لا يرد طامعا ولا يدعمه أعمدة مكنيا عن حالة الفوضى التي خلفها الغزاة وعدم وجود من يتصدى لهذا الأمر فيقيم الشريعة وينشر العدل بين الناس فلذلك نهض راميا الذل جانبا والذي هو أشبه بالبرقع وان لا خير فيمن لم يتعرض المخاطر في سبيل المجد،ولذلك تمكن من تخليص نجد بالقوة من يد الغزاة واستطاع أن يلم شمل أهل القرى والبوادي مرة أخرى واجتهد في ذلك حتى استقرت الأوضاع وبهذا نام هانئا مطمئناً في أسرته،وهذا نتيجة طبيعية لسنوات الكفاح والجهاد فلا يأتي بالدر إلا من يغوص البحر ومن يسري الليل يحمد الصباح مبينا أن كل ذلك بفضل الله ومنته فقد أصبحت نجد حصينة ضد الأعداء ومرهوبة الجانب وقد أقيمت فيها الشريعة وعقدت مجالس العلم،ويتفق مع هذا قول ابن بشر "كانت اليتامى من كل بلد عند الإمام تركي في قصره وكل أرملة ومنقطع يحسن إليه ويبره وهو الذي يتولى إلباسهم كسوتهم بيده،تواضعا ولا يقدم إليهم الطعام إلا بحضرته وكان لا يخل بمجامع الدروس واجتماع المسلمين وفي كل يوم خميس واثنين يخرج من قصره فيجمع الناس لذلك ويقرأ في ذلك المجلس تارة في التفسير وتارة في الأحاديث أو في شرح كتاب التوحيد" ويختم القصيدة بأنه لم يهتم بنصح الجبناء في تحقيق هدفه طالما اتخذ سيفه الأجرب صاحبا ملازماً له وهو الذي تذل لسطوته الأبطال.