أفنى عقوداً يخدم الوطن.. يعمل هنا وهناك ويطور كل ما يرتبط بالإنسان حتى ينمو الفكر ويزهر العمل لغاية نهضة وحضارة البلاد.. ولأجل ذلك سارعت وزارة الثقافة للاحتفاء بالهامة والقامة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز؛ بواسطة معرض «موطن أفكاري» في الرياض من 23 ديسمبر إلى 3 يناير 2024. وتعتبر مسيرة «الفيصل» إشعاعاً يسترعي الانتباه نتيجة عمله الدؤوب وإسهاماته الغزيرة من خلال تقلده عدد من المناصب القيادية؛ نظير صفاته المؤهلة وكفاءته الراجحة ونزعته الثقافية والأدبية، إذ مكنته من تصدير المنجزات اللافتة فباتت رحلة ملهمة ثمارها يانعة، تزخر برصيد وفير كانت وما زالت تستهدف الإنسان. وفي عام 1387ه قص سموه شريط مسيرته العملية التي سعى بواسطتها إلى التوعية والثقافة والتنمية، حيث تولى إدارة رعاية الشباب إلى عام 1391ه، وتحدث عن هذه التجربة قائلاً: «كانت مليئة بالعمل والإنجاز، وأشهد أن عمل تلك المجموعة الصغيرة التي رافقتني كان قبيل الإعجاز، فقد استطاعوا أن يجعلوا من أندية كرة القدم أندية اجتماعية ثقافية رياضية أثرت كثيراً في مجتمع الشباب الرياضي..». وبحلول عام 1971م وُلي «الفيصل» على إمارة منطقة عسير، واستمر أميراً عليها زهاء 37 عاماً أحدث وقتها نقلات وتحسينات كبيرة، منها مشروع تحلية يضخ إلى ارتفاع 2200م فوق سطح البحر إلى أعالي جبال أبها، كما أن أول تلفزيون ملوّن في المملكة أُذيع من عسير. وانبرى أمير عسير آنذاك إلى تكثيف المظاهر الثقافية كي ينجذب الناس من خارج المنطقة إليها، علاوة على تعزيز قدرات المواهب وسبك مهاراتهم، لتقام في قرية «المفتاحة» شبه أكاديمية غير رسمية للفن التشكيلي، خرّجت مجموعة من شباب المنطقة يحظون اليوم بصيت عالمي، أمثال أحمد ماطر وعبد الله الشلتي وعبدالله حمّاس وإبراهيم الألمعي. وشُيد بجانب الاكاديمية مسرح احتضن أمسيات ثقافية وموسيقية وغنائية ومسرحية، شارك في إحيائها نجوم الفن السعودي. وقد قال سموه عن هذه الفترة: «حملت عصا الترحال وجبال المسؤولية تثقل كاهلي أكثر من جبال عسير، وتذكرت طريقة والدي في التعامل مع الناس بالصبر والحكمة وبعد النظر»، وأضاف: «منحت عسير شبابي وجهدي وفكري». ومن إمارة عسير إلى إمارة مكة.. بدأ «الفيصل» مهمته الجديدة عام 2007م، فبادر حينها إلى وضع خطة تنموية، وعَقَد ورش تضم أكثر من مئة شخص للتباحث حول دراسة انتهت بخطة تُعنى ببناء الإنسان وتنمية المكان، زيادة على هيكلة جديدة لجهاز الإمارة. وأطلق سموه آنذاك «جائزة مكة للتميز» وأعاد ترميم سوق عكاظ حتى أصبح معلماً حضارياً ثقافياً، إلى جانب إنشاء مراكز الأحياء مع مركز التكامل التنموي. وفي عام 2013 أصبح وزيراً لوزارة التعليم قبل أن يعود أميراً لمنطقة مكة عام 2015، ووصف ما رمى إليه آنذاك، قائلاً: «كان أهم أهدافي هو تغيير مفهوم الوزارة -إداريين ومعلمين- من التعليم إلى التعلم، وإلى مساعدة الطالب والطالبة على اكتشاف الموهبة لديهم وصقلها» وشرح ما طمح إليه بقوله: «وضع خطة متكاملة لتطوير الوزارة تتمثل في الإدارة والمعلم والمدرسة وتنفيذها خلال خمس سنوات». وبفضل جهوده وخبراته الحافلة أصبح سموه مستشاراً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، مواصلاً عمله في خدمة المملكة وعلى عاتقه المشاركة في نهضتها المستمرة وتعضيد مسيرتها الشامخة. وبالإضافة إلى حصافته الإدارية، يعد «الفيصل» من أهم المثقفين السعوديين، وشخصية بارزة في التاريخ الفني السعودي، حيث نظم نفائس شعرية من ضمنها «كل ما نسنس» و»ستل جناحه» و «من بادي الوقت». ويتمتع بمهارة عالية في الرسم التشكيلي اكتسب على أثرها أسلوب باهر في تشكيل اللوحات، وقد أقام أول معرض تشكيلي لأعماله الفنية في مركز الخزامى بالرياض بعنوان «لوحات فنية» عام 1406ه. وكذلك له الكثير من المؤلفات المهمة، مثل «الفيصل: الملك الإنسان» و»مسرد تاريخ الفيصل» و «مسافة التنمية وشاهد عيان»، وأيضاً دواوين زاهية مثل: «المنقية» و «حرف ولون» الذي استعرض 42 لوحة بريشته و15 قصيدة بقلمه. رسالة خالد الفيصل حينما غادر عسير