الرسائل ليست ورقاً، بل روحاً تتحدث معك فأنت حين تقرأ تتخيل كاتبها، وكيف جلس وكيف أمسك القلم وتستعين بعقلك في صنع نظرة خاصة، وابتسامة تندرج من هذه الجملة، ودمعة من سطرها الأخير. ومع كوننا في زمن توفرت فيه كل وسائل التواصل؛ إلا أنه لا زال هناك ما يُقال، لفرد ولمجتمع، وللحياة أجمع كاعتذار وتساؤل وأمل، كرغبة في إيصال صوت ومحاولة لعناق طويل. لذا خصصت "الرياض" مساحة للرسائل الأدبية عبر سلسلة بعنوان "علمتني الحياة"، نقرأ منهم تجاربهم ونتلهف لسماع قصصهم ونتساءل معهم ونتعلم من أحرفهم. الأخ الفاضل في خلقه، النبيل في تعامله، الوفي لأصدقائه، الكاتب الأديب الأستاذ/ حمد بن عبدالله القاضي -رعاه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد أدام الله علينا وعليكم الصحة والعافية. بينما أنا في مكتبتي الخاصة ذات مساء، أستعيد قراءة بعض المجلات الأدبية لسنوات خلت، ومن ضمنها «المجلة العربية» التي تجلت في عهد رئاستكم لتحريرها بالريادة في مادتها، وإخراجها، وشمولها، وتألقها بكوكبة من الكتاب والشعراء البارزين محليًّا وعربيًّا. وكنتُ واحدًا ممن استُكتِب فيها خلال تلك الحقبة المشرفة من الزمن الجميل. وقد عادت بي الذاكرة إلى منتصف السبعينات الهجرية تقريبًا، عندما التقيتُك لأول مرة في مكتب جريدة الجزيرة بالرياض لصاحبها الأديب الشاعر/ الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- في عهد صحافة الأفراد، وترافقنا في زيارة لصديق الجميع/ فضيلة الشيخ محمد بن عمر العقيل، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، الكاتب والباحث القدير -أطال الله في عمره، ونفعنا بعلمه- في داره بحي الملز -آنذاك-، وقوبلنا منه بحسن الاستقبال وكرم الضيافة. وكان في تلك الفترة -إضافة إلى عمله الرسمي- متعاونًا مع تلفزيون الرياض؛ لما لشخصه من تضلع في العلوم الدينية والعربية ومشتقاتها، وتوطدت بعدها المعرفة والصلة بيننا رغم انتقال عملي إلى الطائف في أوائل الثمانينات الهجرية، وكنتُ كغيري من كتاب «المجلة العربية» نلمس حسن التفاعل، وطيب التعامل، وصدق المودة، والدعم الكبير للجميع. لقد كنتَ يا عزيزي تمثل الوفاء بأجل صورة مع رفاق دربك، وكنتَ خير معين لهم، وكنتَ بحق ممن عناهم الشافعي -رضي الله عنه- في إحدى قصائده: سَلَامٌ علَى الدُّنْيا إِذَا لَم يَكُنْ بِها صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفًا خاتمة: لقد علمتني الحياة أن أرد الجميل لمن أسدى إلى معروفًا بمثله، فإن لم أستطع أدعو له تأسيًا بالحديث الشريف (من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له). وها أنا من خلال هذه الإخوانية أهديك هذه الكلمات النابعة من القلب للقلب، لعلي أرد بعض صنيعك على أخيك. وأسأل الله أن يجعل ما تقدمه للأدب والأدباء ورفاق دربك سابقًا ولاحقًا في موازين أعمالك. أما من تناسى رفقة الدرب وجميل المحبة وحرمة الممالحة، فلن يغفر لهم التاريخ ذلك، وأمرهم إلى الله. ولك من أخيك أطيب التحايا وأزكى السلام. * الأديب علي خضران القرني حمد القاضي