في ذروة مجد الصحف الورقية كانت صحيفة الرياض رائدة للصحف ليس فقط على مستوى الوطن؛ بل على مستوى الخليج والوطن العربي، وحين يأتي الحديث عن تلك الفترة يأتي عملاق الصحافة السعودية الأستاذ تركي بن عبدالله السديري «يرحمه الله» ، كربان ماهر ، وقائد فطن، قاد مسيرة الصحيفة بكل جدارة واقتدار، وجعلها ذات مكانة عالية ومرموقة؛ مما استحق اللقب الذي أطلقه عليه الملك عبدالله «يرحمه الله» بملك الصحافة، وتربطني بهذه الصحيفة علاقة وثيقة منذ بدأت العمل بها كمراسل صحفي في منطقة الباحة أنقل أخبارها وما يحدث بها من نشاطات متنوعة في عهد أميرها الراحل إبراهيم بن عبد العزيز الإبراهيم «يرحمه الله « وسمو الأمير محمد بن سعود بن عبدالعزيز «يرحمه الله» والأمير فيصل بن محمد «أطال الله عمره» وكذلك في فترة الدكتور إبراهيم الزيد «يرحمه الله» لينتهي عملي انتقالًا إلى صحيفة البلاد السعودية ومن ثم صحيفة الوطن، وما زلت أذكر كفاءات صحفية عالية تعاملت معهم كأساتذة كرام أمثال محمد أبا حسين، سالم الغامدي، محمد رضا نصر الله، سليمان العصيمي، صالح الحماد، محمد علوان، سعد الحميدين، ناصر القرعاوي، والدكتور عبد المحسن الداوود، وغيرهم من الأسماء اللامعة وبدأ عملي بمحض الصدفة إذا نقلت خبرًا عن اتفاقية وقعها الشيخ وأعيان قبيلة بني خثيم بالباحة تتعلق بتنظيم تكاليف الزواج ورأيت أن حدثًا كهذا من الضرورة نقله إلى وسيلة إعلامية لأنه يمثل وعيًا اجتماعيا يهدف إلى كسر رقبة المغالاة ويقلل من تكاليف الزواج ويحد من المباهاة التي أرهقت الشباب حينها، سيما وأن إسلامنا يحثنا على عدم المبالغة في مثل هذه الأمور انسجاما مع حديث الرسول عليه الصلاة والسلام (أقلهن مهرًا أكثرهن بركة) . نَشَرت الصحيفة الخبر في اليوم الثاني مما حفزني مواصلة العمل الصحفي، وهنا استطيع القول بأن صحيفة الرياض لم تكن فقط صحيفة تمارس عملها كأي صحيفة أخرى؛ بل مدرسة صحافية عالية المستوى، تتلمذ بها ومن خلالها الكثير من الصحفيين الذين شقوا طريقهم ليصبحوا فيما بعد في مواقع عالية، عادت بي الذاكرة حين وقعت عيني على أعداد قديمة من صحيفة الرياض الرائدة احتفظ بها في مكتبتي الخاصة، وكانت مقالة الأستاذ تركي السديري اليومية تحت عنوان «لقاء» تزخر بجماليات الحرف وعمق المعنى ورقة الأسلوب فعلا قطعة أدبية زاهية، ولتركي السديري حضور مؤثر وفاعل في ميدان الصحافة وأذكر اللقاءات الصحفية التي كان يجريها مع زعماء الدول العربية ومن بينهم الرئيس المصري حسني مبارك وأخذت جوانب سياسية واجتماعية وثقافية، فيما كانت صفحة الرأي وهي الأغزر بين الصحف السعودية والخليجية ثراء معرفيًا وثقافيًا استقطبت أقلامًا واعية على امتداد الوطن العربي مقالات ثرية ومفيدة ولست هنا بصدد حصر تلك الأسماء اللامعة لكثرتها إلا إنني أتمنى من الصحيفة جمع تلك المقالات وإصدارها في سلسلة من الكتب لأنها فعلا جديرة بما حوته من أدب وفكر وثقافة. رحم الله أستاذ الصحافة تركي بن عبدالله السديري الذي ترك بصمة واضحة كأحد أبرز الاعلاميين السعوديين وأطال عمر من عملت معهم من أساتذتي الكرام في تلك الصحيفة العريقة، ومما يحسب للصحيفة الأعمال الإضافية التي قامت بها لرفع الوعي وتنشيط الحركة الثقافية من خلال مسابقة الرياض الكبرى والتي أخذت مجالات متعددة أدبية وثقافية واجتماعية، وأيضا الكتاب الأسبوعي الذي كانت تصدره كعلامة مضيئة، نستطيع القول بأن صحيفة الرياض ذات عراقة حملت شعلة الريادة لتبقى خالدة في أذهان القراء. جمعان الكرت كتاب في جريدة مبادرة نوعية امتد أثرها للعالم العربي «كتاب الرياض» من أهم الإصدارات الثقافية التي تبنتها «الرياض»