التقارير الاقتصادية التي نشرت الأسبوع الماضي، مؤشراتها إيجابية وتدعو للتفاؤل، وسوف أبدأ بآخرها، لأنه مفتاح لتفسير البقية، فموجب المنهجية الجديدة، الأكثر دقة، فإن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة على المملكة بدأت ترتفع منذ أن تم طرح رؤية 2030 في العام 2016، ففي هذا العام ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 111 مليار ريال، بعد أن كان في العام 2015 عند 64 مليار ريال. وواصلت هذه التدفقات ارتفاعها عاما بعد آخر حتى وصلت في العام الماضي 2022 إلى 122 مليار ريال، أما الرصيد التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر فقد ارتفع من 508 مليارات ريال للعام 2016 إلى 775 مليار ريال للعام 2022. وهذه الأموال الضخمة المتدفقة علينا توضح أولاً، مدى التقدم الذي حققته رؤية «2030» في تحويل المملكة إلى بلد جاذب لرؤوس الأموال الأجنبية المباشرة، وهذه مهمة ليست سهلة طالما سعينا إليها، ولكن دون نتائج كبيرة، فبلدنا كان يحتاج إلى إصلاحات وترميمات لإغراء الغير بالاستثمار فيه، وهذا ما حققه ولي العهد، الذي جعل المملكة بيئة جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية. وتدفق هذه الأموال الضخمة، ساهم ثانياً في تحقيق رؤية المملكة، ودفع عجلة إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل سريع، فهذه الأموال المتدفقة من الخارج جنباً إلى جنب مع رؤوس الأموال السعودية توجهت إلى قطاعات الاقتصاد الواعدة كالصناعة والزراعة وقطاع الخدمات وعلى رأسها السياحة، وهكذا تحولت صناعة السيارات من حلم إلى واقع، كما أن المدن الترفيهية هي الأخرى سوف تصبح جزءاً من الصناعة السياحية وتتداخل مع بقية قطاعات الاقتصاد من خلال الروابط الأمامية والخلفية المباشرة التي سوف تقيمها معها، ولذلك فلا غرابة أن ترتفع العائدات غير النفطية ويقل تدريجياً الاعتماد على النفط. فكما يشير التقرير الربعي لأداء الميزانية العامة الصادر عن وزارة المالية فإن الإيرادات غير النفطية في الربع الثالث من هذا العام وصلت إلى 111.5 مليار ريال، مقابل 72.85 مليار ريال في الربع المماثل من العام السابق 2022، ما يعني ارتفاعها بنسبة 53 % وهذا خفف من الانخفاض الذي طرأ على الإيرادات النفطية، جراء التخفيض الطوعي للإنتاج الذي قامت به المملكة، ضمن إطار أوبك+، حيث تراجعت هذه العائدات إلى 147 مليار ريال مقابل 229 مليار ريال في الفترة المماثلة من العام الماضي، أي بنسبة 36 ٪ تقريباً. ولهذا، فإن إجمالي الإيرادات خلال ال9 أشهر الأولى من هذا العام لم تتأثر كثيراً، مما يعني أن المملكة تسير تدريجياً نحو تقليل الاعتماد على النفط، والذي هو الهدف الرئيس لرؤية 2030. إذ من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة 3.9 ٪، أما في العام القادم 2024، فإن هذه النسبة يتوقع لها أن ترتفع إلى 4 ٪، وهذا من شأنه أن يخلق طلب على قوة العمل ويرفع نسبة التشغيل في الاقتصاد، ولذلك فإن نسبة البطالة سوف تنخفض إلى المستويات التي حددتها الرؤية 7 ٪، وترتفع نسبة توظيف شبابنا في المستقبل.