تحقيق مستقبل اقتصادي أكثر ازدهاراً وإنصافاً واستقراراً تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري السعودي - الإفريقي تولي المملكة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- سدة الحكم القارة الإفريقية اهتماماً كبيراً تمثل في تعزيز علاقاتها في جميع أنحاء القارة الإفريقية، لما تحتله القارة الإفريقية من موقع متميز، فهي تمثل قاسماً مشتركاً بين الدوائر العربية والإسلامية والعالمية. وهو ما تأكد مع إصدار "رؤية المملكة 2030"، والتي أعلنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، والتي تقوم على فكرة محورية تتمثل في بناء دولة قوية مزدهرة، تتجاوز حدود الاعتماد على عوائد تصدير النفط. وستلعب العلاقات السعودية الإفريقية دوراً حيوياً في الاقتصاد العالمي، وكذلك تعزيز الشراكة بينهما في عدد من الجوانب الاقتصادية والاستثمارية، بما في ذلك تحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز الشراكات الزراعية والصناعية والتعدينية والتجارية، بالإضافة إلى عقد شراكات جديدة بين الكيانات الإفريقية والسعودية. كما تهدف تلك العلاقة إلى دعم جهود تعزيز التجارة البينية بين المملكة والقارة الإفريقية، وإيجاد منصة للمصدرين والمستوردين من الجانبين. وتستمر العلاقات السعودية الإفريقية بالتطور الإيجابي وتجلى أثرها في الطفرة التي شهدتها العلاقات وأنماط المبادرات لتعزيز الشراكات. ويدعم ذلك قيام المملكة العربية السعودية بتعيين السفير أحمد بن عبدالعزيز قطان وزير دولة لشؤون الدول الإفريقية ليعنى بالشؤون الإفريقية، لبناء علاقات سياسية أكثر قوة، وروابط أمنية مستجدة، وأطر مؤسسية مع كثير من دول القارة الإفريقية. وتتعمق العلاقات السعودية الإفريقية في نطاق العلاقات غير الدبلوماسية بشمولها جميع جوانب العلاقات الدولية الاقتصادية والمالية والعلمية والتعليمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية، وصولاً إلى معالجة اختلال الأوضاع المعيشية ومشكلات وعوارض البيئة ونقص الغذاء وعلاج الأمراض الوبائية والمستوطنة لكثير من الشعوب الإفريقية، كما سعت المملكة بحيادية وتجرد كاملين إلى الوساطة للمصالحة بين كثير من الدول والجماعات الإفريقية المتنازعة وحل قضايا القارة الإفريقية. علاقات متجذرة رسم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية في دعم إفريقيا بشكل عام وشرق إفريقيا بشكل خاص فقد وجه الملك عبدالعزيز توجيهاته إلى مندوب المملكة في الأممالمتحدة بتأييد استقلال الحبشة وإريتريا من الاستعمار البريطاني، وقال: إن استقلال إريتريا لا يقل أهمية عن استقلال ليبيا الذي كان مطروحاً أمام مجلس الأمن آنذاك، وفي سنة 1953م تقدمت المملكة العربية السعودية بمذكرة رسمية إلى مجلس جامعة الدول العربية طلبت فيها أن تتبنى الجامعة قضية استقلال إفريقيا وتحرير شعوبها من الاستعمار بجميع أشكاله ومن ذلك التاريخ اتخذت الجامعة العربية موقفاً ثابتاً وقوياً في المحافل الدولية بتأييد الشعب الإفريقي في كفاحه ضد الاستعمار، وكان لذلك الموقف أثر كبير في تحريك قضية استقلال إفريقيا في المحافل الدولية وحمل الاستعمار تبعات عدم الموافقة على منح الشعوب الإفريقية حريتها واستقلالها. وقد وقفت المملكة العربية السعودية أيضاً ضد مشروع التقسيم في إريتريا الذي تبنته بريطانيا، وساندت الشعب الإريتري والعفر في إثيوبيا وهو الذي أدى إلى انتصار المناضلين في هذه البلاد وحصولهم على الاستقلال الوطني وذلك من خلال كفاح الإريتريين ضد الاحتلال البريطاني من 1941 حتى 1952 ثم كفاحها مع إثيوبيا حتى نيل استقلالها حتى الوحدة معها في 1991. أما عن دعم الصومال لنيل استقلالها فقد سبق أن دعمت المملكة العربية السعودية الصومال من خلال جامعة الدول العربية، مما كان له بالغ الأثر على الحركة الوطنية في الصومال حتى حققت الاستقلال عام 1960، وكذلك جيبوتي عام 1977 وانضمت لجامعة الدول العربية في نفس السنة. وقد سعت دول إفريقية مؤخراً بالاستعانة بالمملكة العربية السعودية لمساعدتها في الحد من المد الإيراني تحت غطاء المذهب الشيعي، الذي استهدف خلال الأعوام الماضية التمدد فيها، وهو ما ظهر جلياً في مواقف تلك الدول وزياراتها الأخيرة للعاصمة الرياض وكرست المملكة جهودها الدبلوماسية للوقوف إلى جوار دول القرن الإفريقي بصفة خاصة لمقاومة مخاطر المد الشيعي. وساهمت السعودية في القرن الإفريقي إلى تعزيز الأمن الإقليمي والبحري في باب المندب والحد من عمليات القرصنة وتقليص دور المجموعات المسلحة في البحار، فضلاً عن التربص لكل محاولات تهريب السلاح إلى اليمن. تطور نوعي وشهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودول القارة الإفريقية تطوراً نوعياً خلال العقد الأخير، لتتجاوز ملفات العون الاقتصادي والمساعدات الإنسانية، بالتزامن مع مجموعة من المتغيرات، أهمها احتدام المنافسة بين القوى الدولية والإقليمية لضمان وتعظيم مصالحها الوطنية بالقارة، وتنامي أنشطة الإرهاب والهجرة غير المشروعة والجريمة المنظمة فيها، ورغبة المملكة في تنويع خارطة شركائها الخارجيين، وتقليل الاعتماد على الغرب، والاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية للقارة. وتدور حركة السياسة الخارجية السعودية بين أربع دوائر أساسية هي: الخليج العربي، الدائرة العربية، الدائرة الإسلامية، والدائرة العالمية. وهنا تحتل القارة الإفريقية موقعاً متميزاً، فهي تمثل قاسماً مشتركاً بين الدوائر العربية والإسلامية والعالمية. وهو ما تأكد مع إصدار "رؤية المملكة للعام 2030′′، والتي أعلنها سمو ولي العهد والتي تقوم على فكرة محورية تتمثل في بناء دولة قوية مزدهرة، تتجاوز حدود الاعتماد على عوائد تصدير النفط، إدراكاً منها أن ذلك سوف يبقى عليها كدولة ريعية، ويهدد اقتصادها بتقلبات مستمرة. لذا تحركت السعودية في كافة الأقاليم الإفريقية. لكن إقليم القرن الإفريقي والبحر الأحمر ظل دائماً في مركز الصدارة، نظراً لقربه الجغرافي من المملكة، وغناه بالثروات الزراعية والمعدنية، وإشرافه على مضيق باب المندب، الذي تعبره 20 ألف سفينة سنوياً، حاملة 12 % من التجارة العالمية، منها 1.15 مليار برميل من النفط، بواقع 3.8 ملايين برميل يومياً، بالإضافة ل66.89 مليون طن من الغاز الطبيعي. ليحتل بذلك المرتبة الثالثة عالمياً، قياساً بدوره في خدمة التجارة العالمية، بعد مضيقي هرمز وملقا. ركزت السعودية أيضاً على الدول الإفريقية المحورية، ومنها جنوب إفريقيا ونيجيريا، اللتان تنتجان وحدهما أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا جنوب الصحراء، والجزائر التي تعتبر القوة الإقليمية الأبرز بشمال غرب إفريقيا، والمنتج الأول للغاز الطبيعي بالقارة، بالإضافة للدول الواعدة في إنتاج الطاقة والمعادن، مثل الكونغو الديموقراطية، وغينيا الإستوائية، والغابون وأنغولا، التي تبادلت المملكة التمثيل الدبلوماسى معها عام 2009، بعد انضمام الأخيرة لمنظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك" عام 2007. مصالح مشتركة وتتنوع المصالح السعودية بالقارة الإفريقية، فتشمل السعي لموازنة وتحجيم نفوذ القوى الإقليمية المنافسة، والاستفادة من الثقل التصويتي لدول القارة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني، وتأمين الملاحة بخليج عدن والبحر الأحمر. لذلك سعت السعودية للانفتاح على القارة الإفريقية والتنسيق السياسى معها، وتنويع خارطة تحالفاتها الإقليمية، خاصة أنها تحتل المرتبة الثانية بعد قارة آسيا بين الكتل التصويتية بالجمعية العامة للأمم المتحدة بمجموع (54 دولة). وأنها تحتفظ بثلاثة مقاعد غير دائمة بمجلس الأمن الدولي. بالإضافة لعضوية 52 دولة إفريقية بمجموعة عدم الانحياز، وعضوية 27 دولة إفريقية بمنظمة التعاون الإسلامي. وتنظر المملكة العربية السعودية أيضاً للقارة الإفريقية باعتبارها تمثل ميداناً خصباً لتعزيز التجارة والاستثمار، قياساً باتساع السوق الإفريقي بالاتساع (1,2 مليار نسمة)، وقربه الجغرافي من المملكة. كما تزخر القارة بنحو 30 % من احتياطي الثروات المعدنية بالعالم. فهي أهم منتجي العالم للماس والذهب، والبلاتين واليورانيوم. وتتوافر بها الأرض الخصبة والمياه، والغابات والمنتجات الزراعية. وتضم أكثر من 21 دولة منتجة للنفط، منهم أربع دول تنتمي لمنظمة أوبك هي: نيجيريا، وأنغولا وليبيا والجزائر. وتشير الأرقام إلى أن نصف الاكتشافات النفطية العالمية التي حدثت في الأعوام العشر الأخيرة كانت في غرب إفريقيا، خاصة منطقة خليج غينيا. كما توجد بالقارة العديد من الاقتصادات الواعدة، حيث إن ستة من أسرع عشرة اقتصادات نمواً بالعالم توجد بإفريقيا، التي يتوقع أن يرتفع ناتجها المحلي الإجمالي إلى 29 تريليون دولار عام 2050. وتتطلع السعودية كذلك للاستفادة من الإمكانيات التقنية والصناعية لبعض دول القارة، مثل جنوب إفريقيا، التي تشترك معها المملكة في عضوية مجموعة العشرين، والتي تملك رصيداً وفيراً من الخبرة بمجالات التصنيع المدني والطاقة المتجددة، والاتصالات والأقمار الصناعية، والهندسة والطب، والتصنيع العسكري، حيث تسعى المملكة لتقليل واردات السلاح من الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا، وتطوير صناعتها العسكرية في مجال الدفاع الجوي، كما يعتبر تأمين الملاحة بخليج عدن ومضيق باب المندب مصلحة استراتيجية للمملكة، التي تملك ستة موانئ على البحر الأحمر. وهو أمر تبدو أهميته في ظل تحكم إيران في الضفة الشمالية لمضيق هرمز، الذي يعبره 35 % من النفط العالمى المنقول بحراً، وغلبة الطابع الصدامي على علاقتها بالمملكة، وتهديد طهران المستمر بإغلاق مضيق هرمز حال تعرض قطاعها النفطي لعقوبات دولية. تبادل مصالح ووفق الدراسة فقد وظفت المملكة كافة أدوات سياستها الخارجية بغية ضمان وتعظيم مصالحها الوطنية بالقارة الإفريقية. كما تنوعت العلاقات السعودية في إفريقيا على النحو التالي: توثيق العلاقات السياسية وتسوية الصراعات: حيث ترتبط المملكة بعلاقات دبلوماسية مع 43 دولة إفريقية، تشمل 28 سفارة، بخلاف القنصليات ومكاتب رعاية المصالح. وتتواصل الزيارات المتبادلة بين المسؤولين على الجانبين، حيث قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة مصر، كما زار ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- مصر والجزائر، بينما قام وزير الخارجية الأسبق عادل الجبير بأكثر من 18 زيارة للقارة خلال المدة من 2015 حتى 2018. في المقابل توافد القادة الأفارقة على المملكة، خاصة عقب عملية عاصفة الحزم. وتشارك المملكة أيضاً في قمم الاتحاد الإفريقي، والتنظيمات الإقليمية الفرعية مثل كوميسا. باعتبارها عضواً مراقباً بالاتحاد الإفريقي. وتحرص المملكة أيضاً على تشكيل لجان عمل مشتركة مع الدول الإفريقية، وتنظيم فعاليات دورية تضم القيادات العربية والإفريقية. تنخرط المملكة العربية السعودية كذلك في تسوية الصراعات الإفريقية، منذ استضافتها لمؤتمر المصالحة الصومالية عام 2007 في جدة. كما شاركت في تسوية النزاع الإثيوبي - الإريتري، بالتعاون مع الإمارات ومصر، حيث وقع رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس الإريتري اتفاق سلام في جدة في 16 سبتمبر 2018، مما مهد لرفع عقوبات الأممالمتحدة عن إريتريا، وتسوية ملفات صراعية أخرى، مثل النزاع الحدودي بين إريتريا وجيبوتي، بعدما عقدت أول مباحثات مباشرة بين الطرفين بالسعودية. وفي السودان، دعمت المملكة عملية الانتقال السياسي بالبلاد عقب سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، فأعلنت السعودية والإمارات تقديم دعم قيمته ثلاثة مليارات دولار للسودان. وأيدت الرياض وساطة الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا لتشكيل إدارة انتقالية جديدة، وذلك للحفاظ على استثماراتها بالسودان (11 مليار دولار/2018)، وضمان استمراره بالتحالف المساند لها في اليمن. تعاون اقتصادي وقد عززت المملكة تعاونها الاقتصادي مع إفريقيا عبر توقيع الاتفاقيات الاقتصادية، وتنظيم الفعاليات المشتركة، وتعزيز التجارة، وضخ الاستثمارات. فنظمت المملكة اجتماع مجلس الغرف التجارية السعودية وسفراء الدول الإفريقية بالمملكة. واستضافت مؤتمر الاستثمار الخليجي الإفريقي الأول في ديسمبر 2010. والملتقى العربي - الإفريقي الدولي للاستثمار الأول بمدينة جدة. وانعكس ذلك على حجم التجارة والاستثمار بين الطرفين، والذى بلغ وفقاً لتقديرات مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» 18.2 مليار دولار عام 2015. وهنا تبرز مصر وجنوب إفريقيا وإثيوبيا كأهم شركاء التجارة مع المملكة العربية السعودية. ومن المتوقع أن يزداد حجم التجارة السعودية - الإفريقية مع اتجاه المملكة لإقامة خطوط بحرية وبرية مباشرة مع إفريقيا، مثل الخطوط الملاحية بين موانئ جيبوتيوجدة وجازان، والإعلان عن مشروع جسر الملك سلمان على خليج العقبة في أبريل 2016، وتدشين مشروع نيوم عام 2017، بقيمة نصف تريليون دولار، لإقامة منطقة اقتصادية عالمية بين مصر والسعودية والأردن. وسعي المملكة لتدشين شراكة مع مصر للاستفادة من المزايا والاتفاقيات التجارية التي تتمتع بها مصر في القارة. كما أضحت المملكة أكبر مستثمر خليجي بمعظم دول القارة، خاصة مصر والسودان وجنوب إفريقيا والسنغال وإثيوبيا، وعلى سبيل المثال بلغت المشروعات السعودية بإثيوبيا 294 مشروعاً، بقيمة 3 مليارات دولار، لتصبح السعودية المستثمر الأجنبي الرابع بإثيوبيا. كما تحظى السنغال بنصيب مرتفع من استثمارات الصندوق السعودي للتنمية بغرب إفريقيا، يصل إلى 40 %، وهو ما يفسر بحرص السعودية على مد نفوذها الديني للسنغال، التي تبلغ نسبة مسلميها 96 % من السكان، بالإضافة لدعم السنغال السياسي لعملية عاصفة الحزم. قطان: المملكة تنظر بعين الاعتبار لتحقيق الشراكة السعودية - الإفريقية