استمرت صناديق السندات الأميركية في التعافي الملحوظ مع بداية الشهر الجديد، فيما تزامنت بداية هذا الشهر مع إعلان الفيدرالي لقراره بشأن سعر الفائدة والذي جاء كما كانت تتوقعه الأسواق على نطاق واسع، وهو بالإبقاء على المعدلات الحالية كما هي. في حين كان التركيز على خطاب جيروم باول التالي لإعلان القرار. لا يبدو أن الخطاب قد أتى بشيء جديد، حيث شدد رئيس الفيدرالي على ضرورة التأني في اتخاذ قرار رفع سعر الفائدة وذلك على ضوء حالة عدم اليقين الحالية. كما أشار أيضاً إلى التقدم في محاربة التضخم ليس كافياً إلى الآن، أي أن الفيدرالي يرغب بإبقاء الباب مفتوحاً للمزيد من عمليات رفع سعر الفائدة في حال تطلب الأمر ذلك. ووفقاً لتحليل سامر حسن محلل أسواق وعضو قسم أبحاث السوق في الشرق الأوسط في XS.com « لا يبدو أن الأسواق تعتقد بإمكانية قيام الفيدرالي برفع سعر الفائدة مجدداً. كما أرى، كما يجري الحديث عنه، أنه في حال لم يقم الفيدرالي برفع سعر الفائدة في الاجتماع الأخير هذا العام فقد يكون قد انتهى فعلاً من دورة الرفع. في حين يبدو أن الأسواق تعتقد ذلك حقاً، أي لا رفع آخر لسعر الفائدة وهذا ما يبدو أن الأسواق تعتقده منذ بدء الفيدرالي بوقف دورة الرفع. يبدو أن هذه السردية قد عززت فرضية الأسواق حول وصول صناديق السندات، وتحديداً صناديق سندات الخزانة الأميركية، إلى قاعها وأن قد تبداً فعلاً بتيارها الصاعد المنتظر، وهذا ما قد رأينها فعلاً حتى قبل إعلان الفيدرالي لقراره الأخير. حيث شهد أكتوبر الفائت المزيد من التدفقات الداخلة القياسية إلى صناديق السندات. سجلت صناديق السندات التي تركز على سندات الخزينة الأميركية والسندات الحكومية صافي تدفقات داخلة بأكثر من 15 مليار دولار خلال أكتوبر الفائت لوحده وهو الرقم الأكبر منذ مارس الفائت، وذلك لعينة من 14 من كبرى تلك صناديق. وعليه، تتجه هذه الصناديق لإتمام عام كامل من صافي التدفقات الموجبة وذلك مع أكثر من 90 مليار دولار منذ بداية العام. فيما استحوذت الصناديق التي تركز على السندات قصيرة الأجل على الجزء الأكبر من تلك التدفقات وذلك مع أكثر من 9.8 مليارات دولار، في حين كان لصندوق SPDR Bloomberg 1-3 Month T-Bill ETF (BIL) النصيب الأكبر من تلك التدفقات وذلك بحوالي 6 مليارات دولار من صافي التدفقات الموجبة، وهي الأعلى منذ سبتمبر من العام 2022. حيث يُركز الصندوق على أذونات الخزانة الأقصر أجلاً والتي تمتد لثلاثة شهور على الأكثر والتي سجلت أعلى العوائد القياسية والتي لم نشهدها منذ بداية الألفية الجديدة وذلك بالقرب 5.5 %، فيما يبدو أن المستثمرين يستغلون هذه العوائد القياسية والتي تتجاوز العوائد حتى على السندات لأجل 20 أو 30 عاماً والتي تقع عند 5 % أو أقل بقليل. كما سجلت الصناديق التي تركز على السندات طويلة الأجل المزيد من التدفقات الموجبة خلال الشهر الفائت وذلك مع حوالي 3.8 مليارات دولار لأربعة من كبار تلك الصناديق. فيما استحوذ صندوق iShares 20+ Year Treasury Bond ETF (TLT) على معظم صافي تلك التدفقات وذلك بأكثر من 2.9 مليار دولار، وبذلك يكون قد سجل أكثر من 20 مليار دولار من صافي التدفقات الموجبة منذ بداية العام. وذلك بعد أن لفت الصندوق الأنظار بكونه من بين أسوء الصناديق أداءً في السوق، حيث فقد أكثر من 54 % من أعلى مستوياته التي سجلها في العام 2020 وبلغ أدنى المستويات له منذ العام 2007. أداء عموم سوق السندات أما الصناديق التي تركز على تتبع أداء عموم سوق السندات فقد استمرت في تسجيل التدفقات الموجبة خلال الشهر الفائت. حيث سجل أربعة من أبرز تلك الصناديق صافي تدفقات بأكثر من 1.9 مليار دولار في محصلتها. فيما استحوذ صندوق Vanguard Total Bond Market ETF (BND) على أكثر من 1.2 ملياراً من صافي تلك التدفقات وهو الشهر الحادي عشر على التوالي من صافي التدفقات الموجبة. يبدو أن المستثمرين يتجهون للتركيز على صناديق السندات قصيرة الأجل عوضاً عن طويلة الأجل والمختلطة. فيما يبدو ذلك بسبب الرؤية غير الواضحة لمستقبل الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل والتي تُعد عاملاً مهماً في التأثير على السندات طويلة الأجل، في حين أن السندات قصير الأجل عادة ما تتحكم بها توقعات أسعار الفائدة التي يضعها الفيدرالي والتي تبدو أكثر وضوحاً للأسواق في الوقت الحالي، أي الاتجاه إلى عدم رفعها مجدداً بعد الأن وهو ما يساعد على تحديد قاع الصناديق التي تركز على تلك السندات. إلا أنه، وبشكل عام، نرى المزيد من المعنويات الإيجابية التي تستمر في التدفق وذلك على ضوء الأرقام الأخير، إضافة إلى تراجع حالة عدم اليقين في أسواق السندات. حيث تراجع مؤشر Merrill Lynch Option Volatility Estimate (MOVE)، الذي يستخدم كمؤشر لحالة الخوف في أسواق السندات باستناد إلى عقود الخيارات المرتبطة بها، إلى أدنى مستويات في شهر وذلك بما قد يعكس المزيد من يقين المستثمرين تجاه اتجاهات سعر الفائدة. وتأتي هذه التدفقات الموجبة على حساب المزيد من صافي التدفقات السلبية لصناديق السندات الدولية والسندات المحمية من التضخم (TIPS). وحيث سجل إثنين من كبار صناديق السندات الدولية، وهما صندوق Vanguard Total International Bond ETF (BNDX) وصندوق iShares J.P. Morgan USD Emerging Markets Bond ETF (EMB) المزيد من التدفقات الخارجة الشهر الفائت وذلك بحوالي 1.4 مليار دولاراً في المحصلة. فيما لا يبدو أن الأسواق متحمسة بما فيه الكفاية للاستثمار في السندات غير الأميركية، التي قد تُقدم عوائد أعلى أحياناً، وذلك لغياب الثقة في مستقبل الاقتصاد العالمي بما فيها الاقتصاد الأوروبي الذي يزال يعاني من استمرار تراجع أنشطة التصنيع والخدمات وضعف في سوق العمل كما رأينا في جملة الأرقام الاقتصادية الأخيرة. في الحديث عن التدفقات الخارجة أيضاً، فقد استمرت الصناديق التي تركز على السندات المحمية من التضخم في تسجيل صافي التدفقات الخارجة للشهر الحادي عشر على التوالي عند أكثر من 1.2 مليار دولار وذلك لأربعة من أبرز تلك الصناديق، ومن الواضح أن الأسواق تعتقد بأن التضخم يسير بالفعل هبوطاً نحو مساره الصحيح وأنه لن يعود إلى الارتفاعات الاستثنائية السابقة. في حين أن التوترات الجيوسياسية والصراعات الدائرة خارج الأراضي الأميركية قد تهدد تلك الفرضية في حال تفاقهما وبما قد يتسبب بعودة الاضطرابات إلى سلاسل الإمداد العالمية وأبرزها إمدادات الطاقة. وليس بعيداً عن صناديق السندات، وبالحديث أيضاً عن التدفقات السلبية، فقد شهدت صناديق الذهب المزيد من صافي التدفقات الخارجة الضخمة خلال أكتوبر الفائت وذلك للشهر الخامس على التوالي. حيث سجل كبار صناديق الذهب المادي، وهما صندوق iShares Gold Trust (GLD) وصندوق iShares Gold Trust (IAU)، صافي تدخلات سلبية بحوالي 1.4 مليار دولاراً في المحصلة خلال الشهر الفائت وبذلك يكونا قد وصلت صافي التدفقات الخارجة أكثر من 6 مليارات دولار منذ بداية العام الحالي. فيما يأتي استمرار نزوج المستثمرين من صناديق الذهب على الرغم من المستويات القياسية التي سجلها المعدن الأصفر والتي تجاوزت مستوى 2000 دولار للأونصة أواخر الشهر الفائت، حيث يحاول الذهب الاستفادة من المخاوف المتزايدة حول إمكانية خروج الصراع الدائر في الشرق الأوسط عن السيطرة ليشمل دولاً خارج حدود الإقليم وذلك بما قد يضر بالمصالح الأميركية وسلاسل الإمداد العالمية. كما يسعى الذهب، كما العادة، للاستفادة التوقعات بانتهاء مسيرة التشديد النقدي في الولاياتالمتحدة، وقد يبدو هذا مبرراً مع التوقعات بإمكانية خفض سعر الفائدة في وقت ما من العام المقبل. إلا أن التوقعات وحديث الفيدرالي المتكرر عن إمكانية ثبات أسعار الفائدة القياسية الحالية المرتفعة عند مستوياتها الحالية لفترة أطول من المتوقع خلال العام القادم قد يستمر في تشجيع المستثمرين لضخ أموالهم في السندات المدرة للعائد - القياسي المرتفع - بدلاً من الذهب. أي أن المستثمرين في السندات الآن قد يتمتعون بعوائد مرتفعة نسبياً لوقت مطول نسبياً. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من التصاعد المستمر للأعمال العسكرية في الشرق الأوسط، إلا أنني أرى ميلاً معاكساً من الأطراف الفاعلة دولياً لاحتواء الصراع أو على الأقل ابقاءه ضمن حدوده الحالية. حيث أن الاقتصاد العالمي قد عانى الكثير منذ تفشي وباء كورونا والحرب في شرق أوروبا وما تلاهما من ارتفاع التضخم ومعدلات الفائدة وتراجع الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي لن يرغب أو يستطيع حتى الدخول في صراعات جديدة قد تكون أوسع نطاقاً. وعليه، أعتقد أنه مهما حاول الذهب الارتفاع واستعادة مكانته كالملاذ الآمن الأول في حالات عدم اليقين، فسنجد بائعي الذهب يختبئون في الظلال بانتظار الفرصة المناسبة للدخول ودفع الذهب للهبوط العنيف وذلك بالاستفادة من العوامل السلبية التي ذكرناها أعلاه، حيث لا أرى ما قد يدعم الارتفاعات المستدامة للذهب، وهذا ما قد يعتقده البائعون أيضاً، «الآن على الأقل».