صبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ثقة في قدرة قواته العسكرية على الصمود في أوكرانيا مع اقتراب ثاني شتاء للحرب الدائرة بين البلدين، في الوقت الذي تحول فيه اهتمام حلفاء كييف الأميركيين والأوروبيين نحو الشرق الأوسط حيث يدور القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع عزة، ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن مصادر روسية مطلعة القول إن الكرملين مقتنع بأن التطورات تلعب لصالح بوتين، وأنه يستطيع الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها قواته في جنوب وشرق أوكرانيا. وبحسب مصدرين فإن روسيا تراهن على الوقت في حين يستعد بوتين للانتخابات الرئاسية المقررة في مارس المقبل، حيث يستهدف تأمين سيطرة روسيا على الأراضي التي تحتلها في الوقت الذي لا يستطيع فيه أي من الروس ولا الأوكرانيين تحقيق اختراق حاسم في المعارك، وينتظر وصول شعور الأميركيين والأوروبيين بالتعب من الحرب في أوكرانيا للدرجة التي يمارسون فيها الضغط على كييف للقبول بتسوية، وقالت وكالة أنباء بلومبرغ في تحليل لها إن بوتين وفور عودته من زيارة الصين ومحادثاته مع نظيره الصيني شي جين بينغ، سافر صباح يوم الجمعة الماضية إلى مدينة "روستوف أون دون" لكي يتلقى إيجازا من جانب رئيس أركان الجيش الروسي فاليري جيراسيموف الذي يدير الحرب في أوكرانيا، عن تطورات الموقف العسكري. وجاءت الزيارة بعد أن نشر مدونون عسكريون روس تقارير عن نجاح القوات الأوكرانية في عبور نهر دينبر واستعادة بعض المناطق فيما بدا أنها محاولة لإقامة رأس جسر على الجانب الآخر للنهر، ولكن وزارة الدفاع الروسية قالت إن قواتها ردت الأوكرانيين. وفشلت أوكرانيا رغم الدعم العسكري الهائل بما في ذلك الدبابات والمدفعية والصواريخ من الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في تحقيق أي تقدم عسكري حقيقي في هجومها المضاد خلال الصيف. ويعني هذا تزايد صعوبة استمرار تماسك التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا. واضطرت الإدارة الأميركية إلى استبعاد مخصصات دعم أوكرانيا من خطة الإنفاق الحكومي قصيرة الأجل التي مررها الكونغرس لتجنب الإغلاق الحكومي في الولاياتالمتحدة، في حين تبرز عودة السياسي السلوفاكي المتعاطف مع روسيا روبرت فيكو إلى رئاسة وزراء سلوفاكيا التحديات المتزايدة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. كما أثار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المخاوف الأمنية بين دول الناتو عندما التقى مع بوتين على هامش منتدى الحزام والطريق الذي استضافته بكين في الأسبوع الماضي ليصبح أول زعيم من الاتحاد الأوروبي يجتمع بالرئيس الروسي منذ صدور مذكرة اعتقال دوليه بحقه من المحكمة الجنائية الدولية في مارس الماضي بسبب اتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وتشهد خطوط المواجهة في شرق وشمال شرق أوكرانيا معارك ضارية، مع مواصلة القوات الروسية هجومها بالقرب من مدينتي أفدييفكا بمنطقة دونتسك وكوبيانسك في منطقة خاركيف. وقال فاليري زالوجني رئيس أركان الجيش الأوكراني الذي زار الجبهة يوم الخميس الماضي إن القوات الروسية تواصل الضغط على أفدييفكا بوحدات هجومية جديدة وأعداد كبيرة من الدبابات مع دعم من سلاح الجو والمدفعية، في حين تتصدى القوات الأوكرانية للهجمات. وفي تقرير استخباراتي نشر يوم 17 أكتوبر الحالي قالت وزارة الدفاع البريطانية إن المرجح قيام روسيا بأكبر عملية هجومية منذ يناير الماضي على الأقل، مع هجمات على محاور متعددة في شرق أوكرانيا. من ناحيته قال بوتين إن الهجوم المضاد الأوكراني "فشل تماما" وأن قواته تحولت إلى وضع الدفاع النشط لتعزيز مواقعها في ساحات القتال. ورغم ذلك يمكن القول إن قلة من النخبة الروسية هي التي تشارك بوتين تفاؤله، ومازالت الصورة قاتمة للغاية بالنسبة لآفاق الحرب، في ظل غياب أي مؤشرات على نهاية قريبة للقتال. في المقابل تسعى الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في حلف الناتو لتهدئة المخاوف من احتمالات تراجع دعم أوكرانيا مع الدعم السريع والمكثف الذي تقدمه الولاياتالمتحدة وحلفاؤها لإسرائيل في معركتها الحالية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وتؤكد واشنطن وعواصم الناتو الأخرى استمرار التزامها بتزويد أوكرانيا بالأسلحة والدعم الذي تحتاجه لهزيمة الغزو الروسي المستمر منذ أكثر من 600 يوم. وفي كلمة له بالمكتب البيضاوي دعا الرئيس الأميركي جو بايدن الشعب الأميركي لدعم تمويل إسرائيل وأوكرانيا، محذرا من أن كلا من حركة حماس الفلسطينية وبوتين يمثلان تهديدا للديمقراطية الأميركية. وأرسل البيت الأبيض طلبا إلى الكونغرس لتخصيص 4ر61 مليار دولار كمساعدات لأوكرانيا. في المقابل قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف إن أهداف الكرملين "ستتحقق بصورة أسرع" إذا أدى تركيز الولاياتالمتحدة على الشرق الأوسط إلى تباطؤ إرسال الأسلحة الأميركية لكييف، لتصبح الحرب الإسرائيلية في غزة بمثابة هدية لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. كما زار لافروف كوريا الشمالية في الأسبوع الماضي ورفض في وقت لاحق التعليق على الادعاءات الأميركية بأن بوينغ يانغ قدمت لبلاده 1000 حاوية معدات عسكرية وذخيرة. وتقول دارا ماسيكوت كبيرة خبراء الشؤون الدفاعية والأمنية في برنامج روسيا وأوراسيا بمؤسسة كارنيجي لأبحاث السلام الدولي "حتى الآن يعتبر الإبقاء على الوضع الراهن مناسب لروسيا التي تحاول انتظار نهاية الدعم الغربي" لأوكرانيا، مضيفة أن "الاحتفاظ بالمواقع الحالية هو الحد الأدنى الذي تتطلع إليه القوات الروسية، لكن أهداف الكرملين تظل الاستيلاء على مزيد من الأراضي الأوكرانية". 1