ظلّ الشرق الأوسط منطقةً ساخنةً لا تكاد تعرف الهدوء، ومسرحاً مفتوحاً للحروب والنزاعات المختلفة منذ منتصف القرن الماضي، ولم يمرّ عقد تقريباً دون وقوع حرب أو نزاع فيه لأسباب عديدة ودوافع مختلفة، فضلاً عن معاناته المستمرة من نشاطات الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تستغل ظروف بعض دوله لتجعل لنفسها ملاذات آمنة بها، ومركزاً لعملياتها أو تلك التي يُعاد توظيفها لخدمة أهداف وتطلعات وأطماع دول أخرى لا تخدم السلم والأمن الإقليمي. وقد كلّف ذلك المنطقة كثيراً من مواردها، وأهدر عليها فرص نماء وتقدم كبيرين، وانعكس على مؤشرات التنمية المتواضعة في كثير منها، وفي مثل هذه الظروف يكون النجاح في القدرة على المحافظة على كيان الدولة، وتجنيبها الآثار السيئة لهذه الحروب والنزاعات، ويتعزز هذا النجاح ويكون محلاً للإشادة والتقدير حين يصاحبه عمل متقدم على صعيد التنمية الوطنية، وهو أمر نجحت فيه بعض دول المنطقة بنسبٍ متغيرة ومتفاوتة، ولعل مثَلَها الأبرز دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. التغلّب على هذه الظروف، الآنية منها والتاريخية، والعمل على تجاوز أسباب الخلافات والأزمات، ومعالجة الجذور العميقة لها، وربط شعوب المنطقة -بمختلف دياناتها وقومياتها- ببعضها، وخلق حالة ديناميكية تنافسية تنموية بينها، معززة بمشروعات إقليمية تكاملية، تعظّم المنافع الاقتصادية للاقتصادات الوطنية، وتساهم في رفع مستويات التنمية واستدامتها، ومعدلات دخول المواطنين من النواتج الإجمالية المحلية، هو النجاح الاستثنائي، وهي الزعامة الحقيقية والريادة غير المسبوقة، والتي تجسدت واقعاً بسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، وذلك من خلال الخطط والمشروعات الاستثمارية الكبرى مع دول المنطقة والعالم، المعلنة خلال السنوات والفترات القليلة الماضية، وكان آخرها ما أعلنه سموه في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في نيودلهي من توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء ممرٍّ اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يجيء متوافقاً مع مرتكزات رؤية المملكة 2030 (مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح)، ويتقاطع مع القدرات الاستثمارية الضخمة للمملكة، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، إضافة إلى قيمة تراثية معنوية مؤكدة على العمق التاريخي العربي والإسلامي للمملكة، المتمثلة في طريق التجارة القديم، المذكور في القرآن الكريم (رحلة الشتاء والصيف). وأمام هذا النجاح المتفرّد، والريادة المتميزة، لعرّاب هذه المشاريع والتحوّلات الكُبرى، سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لم يعد أمام أيٍّ منّا إلا شحذ همته، وبذل كامل طاقته، لنيل شرف المساهمة في منجزات هذا الوطن الاستثناء.