لم تعد السيطرة والهيمنة عالمياً منحصرتان على الطاقة والتكنولوجيا وامتلاك القوة العسكرية فقط؛ فقد تلاشى هذا الاعتقاد واضْمحلّ، في ظلّ ما يشهده العالم من بروز لقوّة لا تقِلُّ ضراوةً وشراسة عن غيرها؛ ألا وهي «قوة الإعلام»، فهي القادرة على تشكيل الصور الذهنية، وكذلك تشكيل السلوك، فضلاً عن قدرتها على التشويه المتعمّد، إن عمَدَتْ بعض الدول في سلوكها، خصوصاً تلك الدول المارقة والخارجة على الأعراف والقيم الإنسانية النبيلة، وفي ظل احتدام التنافس غير الشريف -غالباً- نجد أن هذا التشويه والحرب الإعلامية تستعرّ بشكل مثير للفوضى وحالة اللااستقرار. هذا فيما يخص الجانب القاتم من الإعلام، لكننا لا نغفل دوره الإيجابي إن على مستوى الوعي والتنوير ورسم الصورة الذهنية الصادقة، بالإضافة إلى نقل الحقائق مجرّدة بلا تزييف أو تزيّد أو تشويه. اليوم يموج العالم بفترة ضاجّة وصاخبة، الإعلام فيها يشكّل الصور، ويشكّل القناعات، ويرسم المواقف والآراء، ولذا بات تنظيمه والعمل على تجويده وتطويره، ضرورة لا خيار. ولأننا نعيش عصراً تاريخياً خصباً ومثمراً من حيث الحضور والقوة والتأثير وصناعة الإنجازات، بات التطوير استكمالاً لمشروعات ومرتكزات الرؤية 2030 التي جعلت من النهوض بشعبنا ووطننا أولوية، والإعلام هو أحد أوجه القوة والتأثير والوسيلة القادرة على مواكبة الحراك التنموي والحضاري والثقافي والسياسي الذي تعيشه بلادنا. وقد شرعت قيادتنا في تنفيذ هذه الخطوة والتي تهدف إلى تنظيم الإعلام وأنشطته المختلفة، والعاملين فيه داخل المملكة، وتعزيز القيم الدينية والاجتماعية والثقافية، وتطويره، والعمل على توفير البيئة الاستثمارية الملائمة له، ومراقبة محتواه، والعمل على أن يكون متسقاً والسياسية الإعلامية للمملكة. كل هذه الأهداف العظيمة أساسيات وتشكّل الأهمية ذاتها، وقد جاءت موافقة مجلس الوزراء على التنظيم الجديد للهيئة، وتغيير مسماها من «الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع» إلى «الهيئة العامة لتنظيم الإعلام» لتصبح الجهة المسؤولة عن تنظيم وتطوير وتمكين قطاع الإعلام بأنواعه كافة (المرئي والمسموع والمقروء) ليواكب بذلك طموح رؤية السعودية 2030 من خلال توسُّع الهيئة في أدوارها ومهامها. وقد بعث هذا القرار الأمل والتفاؤل والبهجة في نفوس الجميع، لينهض إعلامنا ويكمل مسيرته الرصينة التي انتهجت المصداقية والوضوح، والشفافية، والحقيقة، ونقل الواقع كما هو بعيداً عن سلوك نهج الإثارة المفتعل الذي تنتهجه بعض الأنظمة، بل سنشاهد قريباً الآثار الإيجابية الرافدة لتطور إعلامنا من حيث تعزيز الهيئة لدور الإعلام في المملكة، وتطويره، كأحد روافد رؤية السعودية 2030. وكذلك دعم المواهب الإعلامية، واستثمار طاقات الشباب السعودي عبر برامج تدريبية وتطويرية، فضلاً عن مساهمة الهيئة في خلق بيئة جاذبة للمستثمرين في قطاع الإعلام عبر تسهيلها للإجراءات وتوفير البنى التحتية، ودعم قطاع الإعلام ليكون قطاعاً حيوياً يرفد اقتصادنا الوطني. أما ما يخص توفر التنافسية وجودة المحتوى فكلنا ثقة في أن الهيئة بانطلاقتها الوثابة ستضمن سوقاً إعلامياً يتمتع بحماية الحقوق الإعلامية وحقوق العاملين في مجال الإعلام، فضلاً عن دعم الهيئة لمشروع توطين وتمكين الكفاءات السعودية الإعلامية. أما على جانب المنظومة القيمية للمجتمع فستكون الهيئة الضامن الأجدر لحماية القيم الوطنية والمجتمعية، وقادرة أيضاً على إثراء المحتوى، وتوفير الدعم لضمان تنوع الخيارات الإعلامية والترفيهية مع مراقبة المحتوى الإعلاني والإعلامي للتأكد من سلامته من أي محتوى مخالف.