افتحوا نوافذكم للشمس؛ ليس قضاءً على البكتيريا والجراثيم فحسب؛ ولكنْ من أجل شيءٍ آخر، من أجل الضوء؛ فلعله يشع في نفوسنا، ويزيل عنها صدأ الأيام. الشمس التي أقسم بها ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم هي زائر يومي لم نعد نحفل به كما ينبغي. إذ، تمرّ على أحدنا وهو نائم في الفراش، فيفوّت عليه فرصة لقاء الشمس في الصباح الباكر، حين تأخذ خطوطها الجميلة في التشكُل. وقد قيل قديماً: إن الطبيب لا يدخل بيتاً دخلته الشمس، وهي عبارة مبالغ فيها، ولا غنى لنا عن الأطباء بالطبع. افتحوا نوافذكم وقلوبكم للشمس، فأمّنا الأرض بحاجة لضوئها، ونفوسنا تواقة إلى أن تحلّ بها هذه الأشعة، نحن في شوق لشيء ما، يشد النفوس من الداخل، ويعيد إليها ألقها، ويكون حافزاً لها على المضي قدماً في طريق الحياة الطويل. لا بُدّ أن نفرح وأن نبتسم مهما بلغت بنا الدروب تعاسة، ولا بُدّ أن تشرق علينا الشمس من جديد، وقد جددنا دماءنا، وجددنا قبلها نفوسنا، فما أصابتنا مصيبة إلاّ وقد أصابت غيرنا، ومن فقد عزيزاً عليه، ومن اُبتلى ببلوى؛ فلن يجديه الحزن شيئاً، عليه أن يبتسم وأن يعيد الكَرّة من جديد. اليأس لن يبني طريقاً، والنظرة التشاؤمية لن تجدي نفعاً، والناجح من استفاد من أخطائه، كلها مقولات صحيحة. لكننا لن نتقنها جيداً إلاّ إذا عرفنا كيف نبدأ، ولن تكون البداية صحيحة إلا مع باكورة الصباح، مع إشراقه الشمس، وورد في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً. فلنكن مثل الطير، نخرج منذ البدء، ولندع الكسل، ولنفكر في شيء جديد، يعيد لنا توهجنا، ليس مهماً أن نخسر أو نربح، ولكن المهم كل المهم ألاَّ تقصم الظهر حادثة ما. افتحوا نوافذكم للشمس، دعوا الشمس تنبئنا بزيارتها، ودعونا نخرج معها منذ صبيحة النهار، ولنبتسم، ولنسلم على بعض، ولنقرأ على بعضنا شيئاً من الكلام الجميل، شيئاً من الفرح. افتحوا نوافذكم لعل شعاع الشمس الذهبي، يسقط على سرير النوم، فيفضح نومتنا الطويلة، ويعتقنا من أسر النوم الطويل، والليل الموغل في الركود. افتحوا نوافذكم، ودعوا الشمس تمر، واتركوا لها مكاناً تمر منه عبر النوافذ المغلقة، والستائر الداكنة، والقلوب المنغلقة، التي تشعر بوقع الحزن والهزيمة. تعلموا أن الحزن زائل، والهم منزاح؛ لكنّ الندوب التي يبقيانها في القلب لا تزول، فلنبتسم للحياة ولنفتح النوافذ للشمس. وردت الشمس في القرآن الكريم ثلاثين مرة، واقترن ورودها بالقمر في أكثر من موضع، وأقسم الله بها، وهذا كله ليدل على أهميتها، ومكانتها التي لا تخطئها الأعين. فهي مصدر الطاقة ومصدر الضوء لهذه الأرض ولسائر كواكب مجرتها بالطبع. أما في الشعر العربي، فهي تردُ على ألسنة الشعراء، إمّا لوصف الحبيبة لجمالها بها، والعرب تسمي بناتهن بشمس وتوابعها مثل شمساء، وشمسية، وشموس، وكلها ترد في ثنايا الشعر. وترد أيضاً لتفخيم الممدوح، فلا شيء يضاهيه أو يشبهه، فهو كالشمس، يقول النابغة من (الخفيف): فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكبُ