الشخصية التي تتمتع بمهارات الذكاء العاطفي، يمكنها التفاعل مع الآخرين ومناقشتهم وإقناعهم وتأدية الانفعالات والخلافات أو حلها بحسب الموقف الدرامي من أجل التفاعل؛ فالانفعالات تنتقل سريعاً بالعدوى.. في كثير من الأحيان نتساءل: ما الذي يجعل هذا الكاتب متفوقاً كثيراً عن أنداده من الكتاب وهم كثر؟ ثم تقام المسابقات وتمنح الجوائز لمن هم أقدر وأكفأ على قيادة العمل الإبداعي، ولم يطرح لنا أحد من المنظرين في هذا الصدد سوى قواعد صلدة، قد تكبل الكاتب وتقيد آفاقه الإبداعية الرحبة! لكن هناك مرشدات نجدها في علم نفس الشخصية، قد تقودنا إلى ما هو مرشد لكثير من حملة القلم حينما يكتبون، لأننا وجدنا في كثير من الأعمال -التي يحسبها كتابها أعمالاً إبداعية– صوت الكاتب الشخصي (الذاتية) حاضراً، وهو ما ينفر المتلقي من هذا العمل أو ذاك، إذ إنه (المتلقي) عنيد لا يحب الوصاية والخطابة والمباشرة خاصة في الأعمال الدرامية بصفة عامة والمسرحية بصفة خاصة. ونحن هنا لا نصدر قواعد وأسساً للكتابة كما ينظر المنظرون، وإنما نبحث في حالة الكاتب أثناء الكتابة، لكي يكون قادراً على قيادة العمل بشكل جاذب ومترقّب وشغوف عن سؤال مهم وهو (ماذا يحدث؟) ولا نعطيه أي إجابة سوى في نهاية العمل عبر فعل أساسي يتطور ويأتي ويذهب ويتأرجح لجعل الدهشة حاضرة عبر سلسلة من اتساع أفق الانتظار. ونستطيع القول إن كل ذلك لن يتأتى إلا إذا ما توفر لدى شخوصه ما يسمى ب(الذكاء العاطفي)، فالذكاء العاطفي للشخوص المتحركة والفاعلة أمامنا -وليس للكاتب نفسه- أثناء تحرك الفعل الدرامي، وكما عرفه علماء النفس بأنه "الاستخدام الذكي للعواطف. فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكه وتفكيره بطرق ووسائل تزيد من فرص تفوقه على بقية الشخوص". فالأمر هنا يختلف، إذ إن الكاتب هنا لا يستخدم عواطفه هو هنا، وإنما يستخدم عواطف الشخصية التي تقول وتفعل وتتأزم، وهنا تكمن المشكلة، لأن الكاتب إذا ما ظهر صوته أفسد العمل برمته! فإذا ما كان دانيال غولمان يعرف الذكاء العاطفي بأنه: "القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتحفيز أنفسنا، ولإدارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الآخرين". فذلك يتوجب أن يتجرد الكاتب من ذاته، ويحمل كل شخصية من شخوصه لكي تعمل بحسب هذا التعريف أثناء كتابة (شبكة العلاقات) بين الشخصيات في العمل الذي بين يديه لكي تتسم كل شخصية بهذا الذكاء العاطفي الذي أوردة غولمان، وقد لخصها في: "الوعي الذاتي Self-awareness ضبط الذات Self-control التحفيز Motivation التعاطف Empathy المهارة الاجتماعية Social Skill التعاطف Empathy هو القدرة على تفهم مشاعر وعواطف الآخرين، وكذلك المهارة في التعامل مع الآخرين فيما يخص ردود أفعالهم العاطفية". هذه السمات هي سمات صناعة الشخصية خاصة البطل في العمل الدرامي، إلى أن يحدث خلل في إحدى هذه السمات، مما يوقع البطل في أزمة تقوده إلى حتفه، إذا ما كان بطلاً تراجيدياً، أو إلى النجاة إذا ما كان العمل كوميدياً. فنظرية (تيتشنر) "بأن التعاطف ينبع من محاكاة معاناة الآخرين باستحضار مشاعر الآخر إلى داخل العمل نفسه". كي يشعر المتلقى بهذا التعاطف (Sympathy): وهو إحساسه بما يشعر به البطل من أحزان وأزمات، وهنا تكون المشاركة في كل الانفعالات، مما يحفز متعة المتلقي، إذا ما تمكن الكاتب من كفاءة إدارة شبكة العلاقات وبنائها والقدرة على التفاوض والتفاهم وتنظيم المجموعات، ذلك لأن الشخصيات التي لديها مهارات الذكاء العاطفي المذكورة سلفاً والتي أوردها غولمان هي ما تؤدي إلى الدهشة، إذا ما اعتبرنا أن الشخصية الدرامية تساوي الفعل الدرامي نفسه في الأهمية، إذ يقول هوراس في كتابه المعنون بذات الاسم: "إن المادة الصالحة للأدب يمكن أن تلتمس في أخلاقيات سقراط، فمن واجبات الصديق لصديقه والمواطن لوطنه والابن لأبيه والقاضي لعمله والمحارب أثناء الحرب، فمن ألم بكل ذلك وما أشبه، فهو حتماً يدري كيف يسند إلى كل شخصية الدور الذي يلائمها". فالشخصية التي تتمتع بمهارات الذكاء العاطفي، يمكنها التفاعل مع الآخرين ومناقشتهم وإقناعهم وتأدية الانفعالات والخلافات أو حلها بحسب الموقف الدرامي من أجل التفاعل؛ فالانفعالات تنتقل سريعاً بالعدوى. إن التناغم والتناسق في استشفاف الحالة النفسية للآخر هو الذي يحدد درجة التفاعل. ولا نغفل أن هنالك شخصيات متلونة كالحرباء وآخرين أكثر حسماً في التعبير عن أنفسهم، فافتقاد صياغة الشخصية ما هو إلا عجز في مهارة تكوينها، ذلك أن فن التأثير العاطفي يظهر جلياً في التعامل بين الشخصيات والشخصية المحورية في (ماذا تريد، وماذا تفعل، وإلى أي هدف تصل، ومن معها ومن عليها) بحسب نموذج (ألخيرداس جوليان غريماس 1917-1992). وكما أشرنا في بداية المقال إلى ابتعاد الكاتب عن ذاته واستخدام عواصف شخوصه، بأن يحافظ على ذلك الخيط الرفيع بين وعيه هو ووعي شخوصه، وهي نقطة فاصلة تحمل أهمية قصوى في حياكة الخيوط الحريرية فوق أوراق الشوك، لأن الوعي الذاتي (Self-awareness) لديه وفي تلك اللحظات هو القدرة على فهم الشخصيات مشاعرها وعواطفها في لحظة ما، ومن ثمّ استعمال ذلك في اتخاذ القرارت والتصرف، وكذلك فهم دوافعها وتأثيرها على الآخرين من حولها. وبقدر ما نكون قادرين على تفاعل مشاعرنا معها وتقبلها نكون قادرين على قراءة مشاعر الشخصيات الأخرى، فنظرية (تيتشنر) ب: إن التعاطف ينبع من محاكاة معاناة الآخرين باستحضار مشاعر الآخر إلى داخل المتعاطف نفسه. إن الذكاء العاطفي والاجتماعي داخل بنية النص له القدرة الكبيرة على التنفيس عن الإحساس بالظلم بتوجيه النقد البنّاء في ثنيات العمل ذاته. "إذا قارنا بين المبدعين المتميزين والأشخاص العاديين نجد أن 90 % من الفروقات مرتبطة بالذكاء العاطفي وليس المهارات المعرفية، فليس المطلوب تنحية العاطفة جانبًا بقدر محاولة إيجاد التوازن بين التفكير العقلاني والعاطفة.". الذكاء العاطفي هو الاستخدام الذكي للعواطف؛ كما أن الوعي الذاتي، وضبط الذات، والتحفيز، من مهارات إدارة الذات. ف"التعاطف والمهارة الاجتماعية من مهارات إدارة العلاقات. إذ يلعب الذكاء العاطفي دوراً جوهرياً في تفسير الأداء الناجح. وإن الفرق بين الكاتب العادي ومتوسط الأداء والكاتب المتفوق في الأداء ليس المهارات الشخصية بل المهارات في صناعة شخصياته.