أثيرت انتقادات حول التقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية بعنوان «الحياد الصفري بحلول عام 2050، خارطة طريق لقطاع الطاقة العالمي»، بسبب ما تضمنه من تصورات غير منطقية وغير معقولة حيال مستقبل الطاقة العالمي ووصول العالم إلى الحياد الصفري. بَنى التقرير تصوراته عن مستقبل الطاقة والوصول للحياد الصفري في عام 2050، وفقاً لآراء المختصين في مجال الطاقة، على افتراضات وتوقعات غير مدروسة وغير دقيقة، بل وحتى غير منطقية، فندتها مؤسسة بحوث سياسات الطاقة EPRF في تحليلها للتقرير وغيرها من البحوث العلمية الرصينة غير المُسيسة. أوضحت المؤسسة أن وكالة الطاقة الدولية، بنت توقعاتها للتحول الصفري على عوامل ظرفية، غير جوهرية، وقابلةٍ للتغيُّر أو حتى عدم الحدوث، مؤكدة في نفس الوقت، على أن التوقعات غير منطقية وغير عملية، ستعمل على تبديد موارد الدول، وتُقلص من الاستثمارات في مجال الطاقة، بل ولربما تقضي عليها. أوضحت المؤسسة كذلك، أن الفرضيات التي بَنت عليها وكالة الطاقة الدولية توقعاتها، ستُحدِث تأثيرات بيئية مدمرةً، بسبب التنقيب والإنتاج المتسارعين للمعادن النادرة، وبسبب زيادة الاعتماد على إمدادات الطاقة الرخيصة، كالفحم، لإنتاج ألواح شمسية، وتوربينات رياحٍ، وبطارياتٍ، ستكون، في نهاية المطاف، عاجزة عن توفير بدائل للطاقة يمكن الاعتماد عليها. تحليل مؤسسة بحوث سياسات الطاقة لتقرير الوكالة الدولية للطاقة، أكد على أن التقرير يتناقض مع بعض القواعد الاقتصادية الراسخة، كونه اعتمد على بناء توقعاته، على افتراضاتٍ تعتمد هي بدورها على افتراضاتٍ أخرى للوصول إلى الحياد الصفري، الذي يعتمد على افتراض تزايد انتشار استخدام الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهذا الافتراض مبني على افتراض أن تكلفة هذه الطاقة سائرةٌ إلى انخفاض، وبالذات إذا عرفنا أن الافتراض الثاني تعرض لهزات كبرى في ألمانيا وفي غيرها من دول أوروبا، لأدركنا هشاشة الافتراضات كلها، والتوقعات المبنية عليها. أخيراً وليس آخراً، من أبرز النتائج السلبية للافتراضات والتوقعات التي تتبناها الوكالة في تقريرها، هو جعل مجال الطاقة طارداً للاستثمارات في أنشطته الحيوية، سيما وكما هو من المعروف أن هذه الاستثمارات تمثل عنصراً جوهرياً في فاعلية واستدامة وموثوقية إمدادات الطاقة للعالم ككل، وللدول الأكثر احتياجاً لها على وجه الخصوص. لعله من المهم جداً الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية، تُولي اهتماماً كبيراً لقضايا خفض الانبعاثات الضارة، وحماية البيئة، والاستدامة، ومواجهة آثار التغيُّر المناخي، وتضعها في مقدمة أهدافها المتعلقة بالطاقة، حيث كانت المملكة ولا تزال سباقة، بين الدول الرائدة في إنتاج البترول، إلى إعلان استهدافها الوصول إلى الحياد الصفري في عام 2060 بخفض انبعاثات الكربون بأكثر من 278 طن متري سنويا بحلول عام 2030. المملكة تستهدف من خلال مبادرات متكاملة بينها "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" و"استراتيجية الاقتصاد الدائري للكربون" و"استراتيجية إنتاج الهيدروجين"، إلى خفض انبعاثات الكربون، حرصاً منها على حياة البشرية والمحافظة في نفس الوقت على سلامة البيئة. المملكة العربية السعودية، أكدت في مراتٍ ومناسبات عديدة، من خلال تصريحات صاحب السمو الملكي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ وزير الطاقة، على ثلاثة ثوابت لسياساتها في مجال الطاقة، وهي؛ ضمان أمن الطاقة، والاستمرار في تطوير الاقتصاد، ومواجهة التغير المناخي. كما وشددت، مراراً وتكرراً، على ضرورة أن تكون بيانات الوكالة الدولية للطاقة، أو غيرها من الجهات ذات العلاقة، في هذا الخصوص، مبنية على أسس علمية محايدة، تحقق مصالح الإنسانية في كل مكان، ويمكن تطبيقها مع الأخذ في الاعتبار الظروف الوطنية لكل دولة من المنتجين والمستهلكين. أخلص القول؛ إن التقرير الذي أصدرته وكالة الطاقة الدولية (IEA) لم يكن دقيقاً بما فيه الكافية، للوصول إلى حياد صفري بحلول عام 2050، كما أنه وفقاً لتحليل مؤسسة مرموقة السمعة في تحليها الدقيق للطاقة، لم تنجح الوكالة في طرحها للمعلومات وللتوقعات وللتحليلات، التي اتسمت بالمبالغة تارة، ونشر الهلع والخوف تارة أخرى، مما سوف يتسبب في حدوث تأثيرات سلبية على العالم، وبالذات فيما يتعلق بضمان استمرارية تدفق إمدادات النفط العالمية بيسر وسهولة وسلاسة.