تداول الأمثال العربية عند العرب هو أمر شائع ومتلازمة متعارف عليها منذ القدم، يرددها الناس في حديثهم بغرض الاستشهاد بها على حدث ما أو تعزيز موقف مر بهم، وتقتبس بعض الحكم البليغة لنفس السبب، عنوان هذا المقال على سبيل المثال (محد يموت ناقص عمر) مثل عصري يشرح نفسه، وظاهره أن الإنسان ينتهي به الأجل ويموت بالضرورة حين ينتهي عمره المقدر له سلفاً والمكتوب في اللوح المحفوظ، في حين أن الإنسان يمكن أن يموت قبل الموعد المقرر له أن يموت فيه، والعكس صحيح. مؤخراً ارتفع معدل حالات موت الفجأة بشكل ملحوظ ولافت، وكثير منها لا يعرف سببه الجوهري، لا يعلم عنها شيء البت، فهناك جانب مخفي في سبب الوفاة يدفن مع الميت، وهي الغالب والأعم، وهناك أسباب تدرك لكن متأخرة وبعد فوات الأوان، ولكن الحقيقة لو بحثنا عن سبب الوفاة لوجدنا أن سبب ذاك هو واحد من عدة عوامل وظروف مسببة للموت، منفردة أو مجتمعة، سأبينها لاحقاً. نعود الآن إلى المثل عنوان المقال، إن كان المراد من ذكر هذ المثل هو أن الأقدار التي سنها المولى عز وجل، مقدرة مسبقاً ومكتوبة في اللوح، ومضى بها علم الله، ومنها الموت، فهذا لا جدال فيه أبداً، ولا مجال للنقاش حوله، ولكن إذا كان المراد من هذا المثل أن ليس ثمة عوامل خارجية قد تقلص من عمر الإنسان أو تضاعف من أمد عمره، فلاشك أن هذا التصور خاطئ في تصوره، والصحيح أن هناك ظروفاً خارجية تحيط بالإنسان يمكنها أن تضاعف من عمر الإنسان بإرادة الله وعلمه، فالإيمان مثلاً بالقضاء والقدر واليقين التام بأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصبه، والبر مثلاً كلها عوامل تزيد في العمر والدعاء يرد القدر، (القدر المعلق بالفعل). حياة الإنسان مليئة بالظروف المفاجئة والمزدحمة بالمواقف المؤلمة، والمؤلمة جداً، المؤثرة على صحة الإنسان وهذه الظروف والمواقف قد تقلل من عمر الإنسان وتدهور صحته، بل وقد تعجل في وفاته، (وهنا أبين أبرز أسباب الوفاة) ولنا في أمراض العصر آية، وبالمناسبة فإن أمراض العصر ليست مقتصرة على ما يتوهمه البعض بأنها الضغط والسكر فقط، بل هي أعم وأشمل من ذلك، فالهموم والقلق المتكرر هما من أمراض العصر، والخوف من المستقبل هو من أمراض العصر، والوسواس القهري والذعر من لا شيء هما أيضاً من أمراض العصر، تضاعف معدلات حالات الاكتئاب من أمراض العصر. وغير ذلك، كفانا الله شر موت الفجأة وأحسن خاتمتنا.