ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من علامات الساعة: موت الفجأة، وذلك في الحديث المرفوع عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن من إمارات الساعة) وذكر منها: (ان يظهر موت الفجأة)، وقد ظهر هذا النوع من أنواع الموت في هذا الزمان، بل كثر وانتشر، فترى الرجل صحيحاً معافى، لا يشتكي من شيء، وفجأة تسمع بخبر وفاته، إما بسبب سكتة قلبية، أو جلطة دماغية، أو حادث مفاجئ، فهذا الأمر لم يكن مألوفاً، ففي الماضي، كان الرجل، يبقى مريضاً أعواماً، بل كان المريض يحس من مرضه بقرب وفاته فتجده يستعد بكتب وصيته، وتوصية أولاده، وتوديع أهله، بل بالإقبال على ربه، والتوبة من ذنوبه، والندم على معاصيه، والإكثار من قول: لا إله إلا الله، لتكون هي آخر كلامه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة). وهذا الموت الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، لم يخبرنا به ليزداد رصيدنا الثقافي، أو لنتسلى بالحديث عنه في مجالسنا، أو من على منابرنا، إنما أخبرنا به لنستعد له، ونتأهب لقدومه، فربما يأتي على غرة، لأننا كما قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} يقول ابن كثير في تفسيره: أي ليس أحد من الناس، يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر أم بر، أو سهل أو جبل، وقد جاء في الحديث: (إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة)، فكثير منا من يغفل عن هذا الامر العظيم، والخطب الجسيم، نستبعد الموت، ونظن اننا في منأى عنه، يخدعنا تمام صحتنا، وتغرنا كثرة أموالنا، وتلهينا شهواتنا وملذاتنا، وتبعده عنا آمالنا، وقد يكون منا قريب، وقد يأتينا على حال غير متوقعة، فهو لا يقدر ظرفاً ولا يرحم ضعفاً، لا يقول هذا بعيد عن أطفاله، ادعه حتى يرجع إليهم! ولا يقول هذا صغير سن لم يتمتع بشبابه، اتركه حتى يشبع من هذه الدنيا! ولا يقول هذا الآن سكن بيته الجديد، أو بنى في زوجته الحسناء، فأمهله حتى يطيب خاطره من زوجته وبيته! إنما هو كما قال تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}. إذاً حان موعد خروج الروح، خرجت في أي مكان، وعلى أي حال، وفي أي زمان كان، قد تخرج والإنسان يلعب، وقد تخرج وهو يصلي، وقد تخرج وهو يأكل، وقد تخرج وهو يغط في نوم عميق، فلنستعد لمثل هذا الموت بالعمل الصالح، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، فقال: (راحة المؤمن وأخذة أسف للكافر)، فالمؤمن المستعد لهذا الموت بالأعمال الصالحة، هو راحة له، أما والعياذ بالله، الكافر فموت الفجأة أثر من آثار غضب الله عليه، فلا يتركه ليستعد لمعاده بالتوبة، وإعداد زاد الآخرة، ولم يصب بمرض ليكون كفارة لذنوبه، إنما يأتيه الموت فجأة، وهو على كفره وضلاله وبعده عن خالقه.